تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذا كانت المدرسة لمرحلة سنية بعينها والجامعة لمرحلة أخرى فإن وسائل الإعلام مدرسة للجميع، وهي المسيطرة علينا منذ الاستيقاظ صباحا وحتى النوم ليلا … وهي الصانعة للرأي العام.

والاتصال كأساس إعلامي يقوى بقوة الصوغ اللغوي، ويضعف بضعف الصوغ اللغوي، قال مارشال ماكلوهان: (إن الرسالة والوسيلة شيء واحد حيث يصعب فهم أي مضمون اجتماعي أو ثقافي دون معرفة كيفية عمل الوسيلة التي تحمل هذا المضمون والمناخ المحيط بها).

واللغة هي صلب مثلث الاتصال بأضلاعه الثوالث "فالتفاعل الأول إرسال واستقبال الرسائل والثاني في صياغة وفهم تلك الرسائل، والثالث في المشاركة والاستماع فالأفكار. فبناء الرسالة يعتمد على اللغة، ورد الفعل محكوم بحجم التأثير اللغوي الحامل للفكرة، وإذا كانت اللغة هي صلب عملية الاتصال فيمكننا أن نقدر حاجة الإعلام ووسائله إلى اللغة الفصحى ودقتها وجمالها.

ولكن أي لغة تلك التي تحتاجها وسائل الإعلام؟

لا نشك في إن اللغة العربية الفصحى هي التي تمكن وسائل الإعلام من أداء وظيفتها بصورة مثالية، وذلك لما تمتلكه الفصحى من مفردات تمكن من دقة الوصف، ودقة التعبير، ودقة الإخبار.

ومن ثمة فالقناعة بأهمية الفصحى وسيطرتها على وسائل الإعلام رغبة لا تقاوم من أجل الإجادة والتميز لأن اللغة الفصحى تمتلك إمكانات عديدة تفتقد إليها العامية.

وإذا تمددت هذه القناعة داخلنا، فإن توجسا وخوفا من الاقتراب من الفصحى سيحرك التردد فينا، لأن منطوق (الفصحى) يبعث وصيد الألفاظ الصعبة والتقريبات والتقسيمات التي أشرنا إليها ويتناسى الكثيرون أن الفصحى درجات وأن المطلوب تعميمه في وسائل الإعلام أبسط درجات الفصحى التي تستمد مدادها من لازمات العصر التعبيرية وهو أمر يمكن المثقف وغير المثقف والمتعلم وغير المتعلم من الفهم والمتابعة والاستمتاع ولنا في صوغ نشرات الإخبار النموذج … ولنا في خطبة الجمعة النموذج أيضا …

إذن فالفصحى ليست هي (الزعيج/ الجحاجح/ العرصات/ الجلمود/أضواج/ افرنقعوا …) … يمكننا أن نرتفع بالفصحى تبعا لمستوى المتلقين.

آخرا: الإعلام وترويج الأخطاء اللغوية

عن قصد أو غير قصد استفحلت الأخطاء اللغوية عند أكثر الإعلاميين، لأن الأخطاء تستمد مدادها من ثغرات فتقها القدماء الذين بالغوا في التقعيد والمسائل الخلافية والترحيب بالشواذ فضلا عن ضيق مساحة الممارسة العملية لنطق الفصحى عند المعاصرين، وأيضا لوجود مسافة شاسعة بين حفظ القاعدة النحوية والتطبيق لهذه القاعدة فضلا عن قلة المحفوظات النصية التي كان يمكن لها أن تدرب اللسان على سلامة النطق وصحة الأداء.

والأخطاء اللغوية منتشرة بين الإعلاميين وغير الإعلاميين، لكن انتشارها بين الإعلاميين هو الأهم لما سيترتب على ذلك من صدى واسع النطاق بين أرجاء الناطقين بالعربية ولا سيما من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية فالمسموعة.

سنجد تحديا جديدا وفريدا وسيهدد اللغة الفصحى في وسائل الإعلام وعلينا أن نتهيأ لمواجهة هذا الخطر القادم، وذلك بالتمكن من أساسيات الفصحى وتذوقها والعناية بها كخطوة أولية أما الخطر في مطلع القرن فلن يكون صراعا مجرد تحريك لدلالة كلمة تمثل خطأً شائعاً … وإنما سنجد الخطر القادم يخترق عمق الفصحى ليهدمها من الداخل ويشيع الفوضى التعبيرية والإرهاصات قد بدأت في محاولات شعراء الحداثة العرب لتبني بعض الظواهر اللغوية الشاذة وتبني بعض الأفكار السوداوية والتي انبثقت في أوروبا من فلسفات التشاؤم والتشظي والاغتراب وهي أفكار محملة بقدر كبير من السوداوية والعداء للإنسان وللهجوم على أعز ما يملك من قيم وامتيازات موروثة، واسمحوا لي أن استعرض لحضراتكم أمثلة للنماذج الصياغية الساعية إلى تفتيت اللغة وتهميشها وهي أمثلة بدأت في أشعار بعض وسائل الإعلام مما يمكن أن يحقق لها انتشارا يصعب علينا مقاومته لأن الكثيرين منا يصفقون لكل جديد دونما معرفة للأهداف والدوافع والمصادر ودونما تقدير للنتائج ومن أمثلة الهجوم المتوقع قريبا الآتي:

*الصور المجازية تعتمد على إدراك المادية الطبيعية لا على إدراك الافتراضات البشرية.

*إحلال العلامات الموسيقية والرياضية محل التنقيط لأنها تعبر عن حقائق مادية.

* تحجيم استخدام الصفات والظروف لأنها تعبر عن آراء ذاتية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير