تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلمانيون مع أنه لا أقوى منه تأثيرا في النفوس لما تقدم من كونه جبلة آدمية.

فإذا قدم الدين سهل الأمر بعد ذلك لأن الدين بمبادئه السامية كفيل بحل أي خلاف ينشأ نتيجة التقسيمات التي تليه، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!، أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فانتهى الخلاف مباشرة وتعانق القوم ونسوا ما كاد ذلك اليهودي يشعله من نار الفتنة بينهم.

ولكن إذا أخر، لا سيما في أمة كأمة العرب التي جبلت على التفلت بل الهمجية إن حلت الرباط الديني الجامع لأفرادها، كما ذكر ذلك ابن خلدون رحمه الله، إن أخر، وتقدمت عليه رابطة جامعة أخرى كالعروبة رأيت ما جرى في الستينيات من حروب إعلامية انتهت بهزيمة 67 الساحقة التي كفر الناس بعدها بالقومية العربية تحت قيادة الزعيم الخالد!، فصار العالم العربي، كما يقول بعض الفضلاء عندنا، منقسما إلى عرب ما قبل 67 أصحاب الشعارات القومية، وعرب ما بعد 67 أصحاب المصالح الشخصية، فضاقت الدائرة بعد أن كانت قومية لتصبح وطنية، فصار الوطن هو عقد الولاء والبراء الأول، فكل يحارب أو يفاوض لتحرير ترابه الوطني فقط!، ولا يعنيه ما بعد ذلك من قضايا مشتركة، ولو برسم العروبة، معقد الولاء والبراء الأول قبل 67.

فلما ضاقت الدائرة أكثر ظهرت النعرات الجاهلية أكثر. ولك أن تتأمل المثال المضحك المبكي الذي دل بوضوح على مدى إفساد هذا الرباط الوطني لعقول أصحابه وهو: مباراة الجزائر ومصر! الفضيحة العالمية بكل المقاييس فقد تناولتها الصحف ووكالات الأنباء العالمية برسم السخرية من أمتين مسلمتين لهما تاريخ مشرق وحاضر مؤلم، فالذي حدث ما حدث إلا بحدوث الخلل في ترتيب الأولويات فلم يقدم حتى البعد القومي ليقال: يا جماعة أنتم عرب ولا يليق بكم أن تنصبوا العداء لبعضكم من أجل التأهل إلى المونديال!، فذلك البعد أخفق في جمع شتات أمة العرب التي لا يجمعها إلا رباط الدين، كما تقدم، ولك أن تتصور لو كانت الأولويات قد رتبت ترتيبا صحيحا هل كان شيء من ذلك سيقع؟!، لو قيل: يا جماعة أنتم أبناء دين واحد: دين النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، دين: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، هل كان أحد سيستحل إيذاء أحد أو سيجد في قلبه عليه؟، فلما تأخر الرباط الديني مع كونه أهلا للتقديم، وقدم الرباط الوطني وحقه التأخير صارت الوطنية: وثنية!، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين من علماء الخليج، فلم تعد رباطا جامعا يزيد القلوب ائتلافا لو وضع في موضعه الصحيح، بل صار سببا في نقض عرى المحبة من القلوب نقضا، والسبب: عدم ترتيب الأولويات.

في مصر: فشلت الوطنية في جمع المسلمين والنصارى، بل استجاز النصارى في معرض نشاطهم المحموم لمحاولة الحصول على دويلة ولو غير رسمية داخل الدولة الأم، استجازوا الاستعانة بالظهير الأمريكي مع أنه يناصبهم العداء بحكم الاختلاف المذهبي العميق بين الأرثوذكس والبروتستانت. فلم يعد الولاء للوطن وإنما للدين استجابة لداعي الفطرة الجبلي الآنف الذكر.

في العراق: فشلت الوطنية في جمع المنتمين إلى دين واحد، فانفصل الشمال فعليا وإن لم يكن رسميا، برسم القومية الكردية في انتصار جديد للقومية على الوطنية، فالأكراد يعانون من الغربة في كل الدول التي يقطنون فيها فهم في غربة داخل الوطن السوري، ومشاكلهم في الشمال معروفة، ويعانون من الغربة في جنوب تركيا وإن حدث تقارب بين الدولة المركزية وبينهم في الآونة الأخيرة ولكنه أشبه ما يكون بالمناورة السياسية أو الهدنة لا سيما مع اعتدال ولين القيادة التركية في هذه الآونة فهي حريصة على كسب ود الجميع بحكمة تفتقر إليها كثير من الحكومات العربية في التعامل مع شعوبها، ومشاكلهم في إيران، وفي أرمينية، فإحساسهم بأنهم مضطهدون لكونهم أكبر قومية مشتتة في العالم، إذ يربو عددهم على نحو 40 مليونا، جعلهم يضربون عرض الحائط بمفهوم الوطن في مقابل الانتصار للقومية، فيسعون لإيجاد نواة لدولة تجمعهم وقد وجدوا ضالتهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير