تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ممكن، بخلاف تكليفه بأن يكون أوروبيا أو إفريقيا أو عربيا أو عراقيا أو مصريا ...... إلخ، فذلك على حد تكليفه باختيار أبويه، وتلك أمور لا يقدر عليها لتعلقها بالقدر الكوني، فبطل التكليف بها إذ لا يكون التكليف إلا بمقدور وهو ما جاء به القدر الشرعي من أجناس العلوم والأعمال الصالحة التي يستوي الأفراد في تحصيلها من جهة صحة الآلات فتلك الاستطاعة الشرعية مناط الابتلاء والثواب والعقاب على موافقته أو مخالفته.

والشاهد أن المعايير التي يحكم بها على الجماعات لو ردت إليهم ما سلم معيار من النقد لكونه مدخولا من جهة نقص علم واضعه، فلا يدرك من معاني الحسن والقبح إلا ما أدركه عقله، وليس عقله بأكمل عقل، ولو كان كذلك فهو محجوب عن كمال المعرفة إذ له حدود لا تتخطاها قواه التصورية والإدراكية، ومعيار الوحي قد رد الأمر ابتداء إلى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، ولم يجحف العرب حقهم إذ منهم قد بعث الرسول الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلسانهم أكمل لسان، إذ لا يختار الشارع، عز وجل، لبيان وحيه إلا أكمل الألسنة نطقا وأقدرها على أداء المعاني كما أثبتت ذلك الدراسات الحديثة، وذلك من العطاء الكوني الذي يهبه الله، عز وجل، من شاء من خلقه، فلهم فضيلة على بقية أجناس البشر، ولكنها ليست فضيلة عامة في كل عربي، بل هي من قبيل تفضيل الجنس على الجنس فلا يلزم منه أن يكون كل فرد من أفراد الجنس الفاضل أفضل في نفسه من كل فرد من أفراد الجنس المفضول، بل ذلك أمر أغلبي، فجملة جنس الرجل، على سبيل المثال، أفضل من جملة جنس المرأة، ولا يعني ذلك أن كل رجل في نفسه أفضل من كل امرأة بل منهن من تزن أمة من الرجال، وكذلك حال العرب مع غيرهم فتفضيلهم على غيرهم كلي باعتبار الجنس لا جزئي باعتبار الأفراد، فقد يفضل الأعجمي أمة من العرب، ولكن لا تكون جملة الأعاجم أفضل من جملة العرب، وإلا ما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من العرب، فلو كان غيرهم أفضل باعتبار المجموع لبعث منهم النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

واللسان العربي في نفس الوقت، كالديانة، وصف تتفاوت فيه الأفراد، بل تتفاوت فيه أحوال المكلف الواحد فتارة يعلو فيفصح فيقترب من تحقيق معنى الحد، وتارة يدنو فيلحن فيبتعد فلا يبقى له من شدة الوصف إلا ما يتحقق به أصل الانتساب إلى الجماعة اللغوية، فيمكن تسميته بـ: "مطلق اللسان" على وزان: مطلق الإيمان الذي يخرج به الفرد من حد العجمة إلى حد العربية وإن لم تكن فصحى فيحصل به التمايز بين القبيلين، وإن لم يكن صاحبه مثالا صالحا على كل معانيه فقد فاته من معاني الفصاحة الكثير، والمثال، كما تقدم، لا بد أن تتوفر فيه كل صفات المحدود عند من يعرف بالمثال أو يورده مورد البيان لمجمل الحد الشارح تقريبا للأذهان، وذلك لا يكون إلا لمن بلغ درجة الفصحى المطلقة على وزان الإيمان المطلق، فذلك مثال واف لكل أركان الحد.

وهكذا يمكن حد كل جماعة تمتاز بوصف يميزها عن بقية النوع الإنساني فهي تتفاوت في شدته، بل يتفاوت الفرد الواحد فيه شدة أو ضعفا، فيقوى حتى يبلغ الكمال ويضعف حتى يصل إلى أدنى الدرجات بل ربما يخرج صاحبه عن حد الجماعة فيصير من جماعة أخرى وإن أظهر الانتساب إلى الجماعة الأولى ككثير ممن نقض عرى الملة، فمرق منها بالكلية، مع دعواه بأنه فرد من أفرادها بل ربما ادعى لنفسه فيها الصدارة!، وكحال كثير من أبناء العرب الذين يتربون في مجتمعات غربية فيكتسب لسانهم اللكنة الأعجمية التي تضعف عربيتهم بل ربما أصابتها في مقتل فصاروا عجما خلصا مع كونهم عربا من جهة التقسيم البشري الديموجرافي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير