تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يحمل على دلالة المشكك الذي تستوي أفراده في أصل الوصف وإن تباينت في درجته، كوصف البياض فإن كثيرا من الأفراد يشتركون فيه ولكن شدته تختلف من فرد إلى آخر، فبياض الثلج أشد من بياض الجلد، فكذلك وصف الخلق يشترك فيه الخالق، عز وجل، والمخلوق، ولكن درجته تختلف باختلاف الذوات التي يقوم بها، فخلق الرب، جل وعلا، أكمل بداهة من خلق المخلوق، فذلك جزئي يندرج تحت قاعدة كلية تضبط هذا الباب الجليل إذ: "وصف الرب عموما أكمل بداهة من وصف المخلوق" سواء أكان وصف ذات كالعلم أو السمع أو البصر، أو وصف فعل كالخلق والتدبير. ومرد المشكك عند التأمل إلى المتواطئ، إذ في كليهما لا بد من قدر معنوي مشترك يجوز وقوع الشركة فيه دون أن يلزم من ذلك تماثل أو تشابه بين المشتركين، فلا يلزم من اشتراك الرب، جل وعلا، والعبد في المعنى الكلي لصفة العلم تماثل أو تشابه في حقيقة الصفة فالتباين بينهما ظاهر فلا يستوي علم الرب، جل وعلا، المحيط وعلم العبد، وإن وقع الاشتراك في الأصل المعنوي للصفة، وذلك فرع عن التباين بين ذات الرب، جل وعلا، وذات العبد، فلا يلزم من إثبات الذات لكليهما وقوع التماثل أو التشابه بينهما بل لكل ذات تليق به كمالا أو نقصانا كما تقدم، وضابط هذه المسألة كما قرر أهل العلم أن: القول في الصفات فرع عن القول في الذات.

وأما مفوضة الصفات فقد قصروا الاشتراك على اللفظ دون المعنى، فأثبتوا ألفاظا دون معان كلية جامعة، وهذا إبطال لدلالة ألفاظ اللغة على معانيها، إذ لا يلزم من الاشتراك في المعنى الكلي، كما تقدم، تشابه أو تماثل ليصح ما التزموه من إثبات التشبيه أو التمثيل المنفي في هذا الباب فرعا عن الاشتراك في المعاني الكلية المجردة في الذهن، فالتزامهم صحيح إن كان الاشتراك المثبت هو الاشتراك في المعاني الجزئية المقيدة خارج الذهن، أي: الأعيان الموجودة خارجه فيلزم حينئذ من أثبت هذا الاشتراك: التشبيه أو التمثيل المنهي عنه لا من أثبت الاشتراك المعنوي كما تقدم فلا يلزمه من ذلك شيء.

وبضم دلالات المطابقة والتضمن واللزوم إلى ما تقدم من الدلالات في هذا الباب تكتمل منظومة أدوات التأمل، إن صح التعبير، في هذا الباب الجليل، باب الأسماء والصفات الإلهية، فالاسم كـ: "الخالق": يدل على الذات القدسية وعلى وصف الخلق القائم بها على الوجه اللائق بجلال الرب جل وعلا: دلالة مطابقة، ويدل على أحدهما: دلالة تضمن، ويدل على صفة الحياة التي هي أصل صفات الذات العلية: دلالة لزوم.

فيضاف إلى ذلك دلالات الاشتراك المعنوي وما يتفرع عنها من دلالة المتواطئ أو المشكك في معرض التفريق بين وصف الرب، جل وعلا، ووصف العبد، فذلك مما يثبت، وترد دلالات المجاز فلا مجاز في باب الصفات الإلهية إذ ذلك مما تذرع به نفاة الصفات الإلهية، والاشتراك اللفظي إذ يلزم منه إبطال دلالة اللفظ على معناه وصيرورته كالحروف المقطعة أو المهملة.

ويمكن إجراء هذه المنظومة من الدلالات إثباتا للمثبت منها ونفيا للمنفي منها على أي وصف يشترك فيه الخالق، عز وجل، والمخلوق، فهي أشبه ما تكون بقاعدة كلية في هذا الباب الجليل.

وأما في حق الملائكة، فقد وردت نسبة الخلق إليهم في حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: "إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا".

فنسب الخلق إلى الملائكة، وهو محمول هنا، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، على تأويل كلمات الرب، جل وعلا، الكونيات في خلقه، فالملائكة تدبر الأمر بإذن ربها الكوني، على حد قوله تعالى: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، فتتلقى منه الأمر الكوني النافذ المعلوم أزلا بالعلم التقديري الأول المسطور في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فتباشر سبب إيجاد المقدور الكوني على حد ما شاء الرب، جل وعلا، فيقع تأويله كما قد علم وسطر فلا يزاد فيه ولا ينقص فذلك مئنة من القدرة النافذة على إيقاع المقدور على حد قد بلغ الغاية من الإحكام والإتقان مئنة من الحكمة البالغة، فالربوبية، كما تقدم في مواضع سابقة، تدور حول هذين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير