تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المعنيين الجليلين: قدرة الرب، جل وعلا، النافذة، فذلك مئنة من جلاله، وحكمته فذلك مئنة من جماله، وبهما يظهر كماله في تقديره الأول وقضائه الثاني بإيجاد المقدور وفق ما قدر.

فالملائكة لا تستقل بالتدبير، وإنما هي مستخلفة في التنفيذ فلا تعمل إلا بأمر مستخلفها، عز وجل، على حد قوله تعالى: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، فلا يصدرون إلا عن أمره الكوني النافذ، فإذا شاء أمرا تكلم بكلماته الكونيات، فإذا شاء خلقا تكلم بكلمات الخلق، وإذا شاء موتا تكلم بكلمات الإماتة ........ إلخ، فتلقتها الملائكة على حد الإذعان والتسليم فلا راد لقضاء الله، عز وجل، الكوني النافذ، فباشرت أسباب تأويلها في عالم الشهادة فظهرت حكمة الرب، جل وعلا، هنا أيضا من جهة استخلافه لها فالكون، كما تقدم، قد أقيم على سنن محكمة تباشرها الملائكة فهي من الأسباب المغيبة التي بها تقع المسببات المشهودة، وحصل بذلك من وجه آخر: الابتلاء الشرعي للمكلفين بالإيمان بتلك الأسباب المغيبة على حد الإجمال لما لم يعلم منها فـ: (مَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، والتفصيل لما قد علم مما جاءت به النصوص من أسماء وأنواع ووظائف الملائكة كما قد بسط القول في ذلك في مبحث الإيمان بالملائكة في كتب أصول الدين.

#####

والخلاصة أن مادة الخلق يصح إطلاقها في:

حق الرب، جل وعلا، مطلقا: تقديرا من الأزل وإيجادا من العدم وتحويلا من صورة إلى أخرى من باب أولى.

وحق العبد وإن كان الإطلاق في حقه موهما فيراد به عند تقييده بالعبد: تقدير الأسباب المشهودة حال مباشرتها وتحويل الصور من حال إلى حال دون إيجاد من العدم فذلك مما انفرد به الرب، جل وعلا، فلا يشركه فيه المخلوق إذ هو من خصائص ربوبيته بل هو من أخص أوصافها كما تقدم.

وحق الملك فيراد به مباشرة السبب تأويلا لأمر الرب، جل وعلا، الكوني بإيقاع المقدورات كما قد علم وسطر. وذلك من آثار حكمة الرب، جل وعلا، أن جعل لكل شيء سببا، فإن الملائكة لا تستقل بالتأثير في هذا الكون، بل هي، كالآلة بيد صانعها، فيظهر كمال حكمة الصانع وإتقان صنعته في استعمال الآلة على النحو الذي يقع به المصنوع على أكمل هيئة، ولله المثل الأعلى، فإنه يجري الأسباب الكونية المغيبة والمشهودة على نحو تظهر به آثار قدرته فلا يقع في كونه إلا ما شاء، وحكمته، فلا يقع فيه إلا ما به انتظام أمر العالم بتدافع أسباب الخير والشر، على حد قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) فإن كان المقدور شرا فهو شر باعتبار ذاته لا باعتبار مآله، فلا بد أن تَرْجُحَ مصلحة وقوعه مفسدتَه الذاتية، فيتولد منه من المصالح ما يفوق مفسدته في نفسه وتلك عين الحكمة التي اختص الرب، جل وعلا، بأشرف وأكمل أنواعها، على حد ما تقدم، من وقوع الاشتراك المعنوي في الأصل، ووقوع الافتراق في الفرع، وهو الوصف القائم بموصوفه خارج الذهن، فليست حكمة الرب، جل وعلا، القائمة بذاته القدسية كحكمة العبد القائمة بذاته الطينية، وهو أصل مطرد في هذا الباب الجليل كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

فمثل الملائكة في عملها بأمر الرب الكوني النافذ، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، مثلها مثل السيف في يد السياف، أو السوط في يد الجلاد، فلا يقول المقطوع أو المجلود: قطعني السيف أو جلدني السوط، فلا ينسب الفعل إلى الأداة وإنما ينسبه إلى الفاعل، ولله المثل الأعلى، فإنه لا يقال: ساقت الملائكة السحاب على جهة استقلالها بالسوق، وإنما يقال: ساق الرب، جل وعلا، السحاب، بقدرته النافذة فأمر الملائكة الموكلة به التي هي الأسباب المؤثرة في سوقه أمرها بأن تسوقه إلى جهة كذا وكذا فظهرت حكمته في تعليق المسببات على أسبابها المغيبة أو المشهودة، وهذا أصل مطرد في كل أفعال الملائكة التدبيرية، فإنها أسباب قد أودع الله، عز وجل، فيها قوى التأثير، وهي مع ذلك لا تستقل بإحداثه وإنما تخضع لمشيئة الرب، جل وعلا، النافذة، كالأسباب المشهودة فإن قوى التأثير فيها قد أودعت وهي مع ذلك لا تنتج مسبباتها إلا بإذن ربها عز وجل.

فبإثبات القوى التأثيرية في الأسباب تثبت الحكمة في ترتب المسببات عليها، وبإثبات جريانها وفق مراد الرب، جل وعلا، الكوني تثبت القدرة، وهما، كما تقدم، أخص أوصاف الربوبية، فبهما يكون الخلق والتدبير.

والله أعلى وأعلم.

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[22 - 12 - 2009, 01:47 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد:

الأستاذ الفاضل: مهاجر

جزاك الله خيرا ... معلومات قيمة .... جعله الله في موازين حسناتكم ... وأسأل الله أن يكتب لكم أجر ما تكتبون من علم ... اللهم آمين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير