تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالبحر الأول (كما هو موضح في جدول الدوائر العروضية) سنجد أن المقاطع القصيرة والطويلة ليست وحدها فقط التي تتناغم أو تنسجم. ولكننا نجد في كل دائرة كذلك ابتداء من البحر الثاني وما بعد أن أحد الوتدين الممكن وقوعهما في التفعيلة يكون في هيئته الكاملة التامة (أي في تتابع المقاطع غير القابلة للتجزئة) تحت الوتد غير الغامض في البحر الأول. وفي المقابل، فإن هذا يعني أن الإمكانية الثانية الخاصة بأمر التقطيع غير واردة هنا. ولذلك، فإن الدوائر هي أشكال بيانية غرضها توضيح أي من المقاطع ــ باعتبارها عناصر مكونة للأوتاد ـــ يحمل النبر الإيقاعي، وذلك عن طريق ترتيب كل البحور وفق علاقة تربط بعضها ببعض. ولذلك مثلا فإن التفعيلتين (مستفعلن) و (فاعلن) اللتين تشكلان بحر البسيط لا يمكن تقطيعهما بشكل غير غامض. ولكن حقيقة أن (تفعـ)، و (فاعـ) لا يقعان تحت وتد الطويل، وإنما تقع (عِلُن) في كلتا الحالتين تحت الأوتاد غير الغامضة لبحر الطويل وهي: (فعو) و (مفا)؛ فإن هذه الحقيقة تبين لنا أيّ مقاطع بحر البسيط تحمل بالفعل النبر الإيقاعي، وذلك بشكل واضح، تماما كما لو كان هذا الأمر مكتوبا في جدول. ووفقا لهذه الطريقة تم إثبات فكرة أن البحور المجموعة مع بعضها البعض في الدوائر: الأولى، والثانية، والثالثة، والخامسة فيها ـــ بلا استثناءـ إيقاع متصاعد. وعرفنا أيضا ـــ من خلال هذه الطريقة ـــ في أي من المقاطع وُضِع النبر.

هـ/ تخرج الدائرة الرابعة عن القانون المذكور، وهذا أمر تمت مشاهدته سلفا من الناحية الخارجية؛ لأن بحرها الأول وهو (السريع) لا يحتوي بشكل حصري على تفعيلات غير غامضة. ومن المؤكد أن هذا الانحراف كان مقصودا من قبل الخليل للأسباب التالية:

1 - إن الدائرة الرابعة ـــ إذا ما قورنت مع سائر الدوائر المتجانسة التي تقوم فقط على بحور مندمجة ذات إيقاع متصاعد ـــ غير مشابهة لتلك الدوائر. ففيها ـــ فقط ـــ نجد التفعيلة مفـ ـــ عو ـــ لاتُ، وهي الوحيدة من التفعيلات الثمان الأساس التي لها إيقاع هابط. وهذه ليس لوحدها أيضا بل دائما مع إحدى التفعيلات السبع. ولذلك، فإن لبحور هذه الدائرة إيقاعا يختلط فيه الصعود مع النزول.

2 - للوتد المجموع ـــ ممثل الإيقاع المتصاعد (ب ـــ) ـــ بناء صارم وعلى نحو خاص في الشعر العربي؛ فهو لا يخضع لأي تغير داخل شطر البيت؛ ولذلك فهو الذي يحدد ـــ على نحو متميز وواضح ـــ الإيقاع في البحور التي يوجد فيها. وفي المقابل له؛ فإن الوتد المفروق ـــ جوهر الإيقاع المتنازل (ـــ ب) هو الأقل ثباتا من حيث التركيب، وعليه فهو متقلب، وضعيف في تشكيل الإيقاع. وهذا يوضح سبب عدم بروز المقاطع المنبورة في بحور: السريع، والخفيف، والمنسرح بنفس الوضوح كما هو الحال في البحور الأخرى. ومن المؤكد أن الخليل تحقق من هذا الأمر، لأنه أعطى هذه الدائرة اسم (المشتبه)، أي الدائرة الملتبسة، أو التي لها معان مختلفة. وقد أصبح واضحا أن تحليل الدوائر يقدم جوابا للأسئلة التي كانت محل خلاف، والتي ظل المستعربون

ـــ إلى يومنا هذا ـــ ينسجون حولها الآراء المختلفة التالية:

أ/ إن إيقاع الأوزان العربية القديمة لم يكن فقط نتيجة لكمية المقاطع اللفظية، ولكنه كان أيضا نتيجة لعنصر النبر الإيقاعي. وقد عرفنا كذلك في أي المقاطع يقع هذا النبر في كل البحور.

ب/ ولكل البحور ـــ تقريبا ـــ إيقاع متصاعد واضح، ولا يوجد في أي بحر

ـــ على وجه الحصر ـــ إيقاع نازل. أما البحور القليلة، أي التي في الدائرة الرابعة على وجه التحديد، والتي نادرا ما يحدث وقوعها، هي البحور التي لديها إيقاع يتراوح بين الصعود والنزول؛ وهي التي لديها ـــ بسبب هذا

المزج ـــ قليل من الطبيعة الواضحة

ج/ إن جوهر الإيقاع في كل التفعيلات والبحور ـــ باستثناء البحور القليلة الموجودة في الدائرة الرابعة ـــ قد تم تشكيله بواسطة تتابع المقاطع القصيرة والطويلة (ب ـــ) المتلازمة في ذلك التتابع، وغير القابلة للتغيير في كميتها؛ وحيث أن المقطع الطويل هو الذي يحمل النبر دائما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير