تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتقدم لنا حقيقة أن النظام العروضي الذي تم بناؤه نظريا مع جوهر الإيقاع المتصاعد (ب ـــَ) هو نظام متطابق مع الأوزان التي استخدمها الشعراء القدامى حقا، قدرةً كاملة على التبصر في التصميم الأساس لنظام الأوزان العربية، والتبصر في النظام نفسه كذلك.

فلو كان الإيقاع المتصاعد شكلا شعريا، صاغ عن طريقه الشعراء العرب قصائدهم، كنا نفترض أولا أن الأوزان التي تُظهر جوهر الإيقاع المتصاعد، أو تكشف عنه بقوة أكثر، هي الأوزان المفضلة التي استخدمت أكثر من غيرها. وتلك ـــ في المقام الأول ـــ هي بحرا الطويل، والبسيط اللذان يضمان تفعيلات غير متساوية. ومن دون سائر البحور البسيطة نجد الوافر، والكامل اللذين فيهما إيقاع مختلف أكثر بسبب تتابع المقطعين القصيرين. وفي الحقيقة، فإن هذا ينسجم مع النتائج التي توصل إليها مستعربون مختلفون في بحوثهم الإحصائية فيما يتعلق بتكرر البحور. وقد نُظمت ثلاثة أرباع القصائد على هذه البحور الأربعة التي يأتي بحر الطويل في صدارتها باعتباره البحر الأقوى.

ولذلك، فإن خصوصية الأوزان العربية القديمة تكمن في حقيقة أنها ـــ عكس الأوزان الإغريقية القديمة ـــ لم تتشكل عن طريق ضم المقاطع المفردة، بل إنها تطورت عن طريق ضم أزواج متلازمة من المقاطع التي تمثل جوهر الإيقاع المتصاعد. وهذه هي الفكرة الإيقاعية الوحيدة التي اتخذت شكلا في النظام العروضي العربي، بيد أنه قد تم نفاذ هذا المبدأ في كل صوره المحتملة، وفي كل آثاره.

ويمكن تفسير السبب في أن الشعراء طوروا ـــ من غير قصد ـــ هذا المبدأ الوحيد على نحو تام، فقط من خلال الحقيقة التي تقول إن لغة الأدب العربي القديمة تنسجم مع شكل الإيقاع المتصاعد، وتشجع مثل هذا النوع من التطور، وذلك من حيث طبيعة بنيانها الصوتي، وبناء المقاطع فيها. ولعله الإيقاع الأحادي هو الذي يميز ـــ على نحو رئيس ـــ الأوزان العربية القديمة من الإيقاع المتعدد في الأوزان الإغريقية القديمة (التي عبرت عن أشكال إيقاعية متباينة دون أن تطور أي واحد من هذه الأشكال ـــ على نحو منتظم ـــ إلى نهاية احتمالاته كما فعل العرب).

ولأن الأوزان العربية يتم مقارنتها أحيانا ـــ عن طريق الخطأ وببساطة ـــ مع الأوزان الإغريقية، فإن فرقا رئيسيا آخر بين هذين النظامين المتعلقين بنظم الشعر يجب توضيحه. فالعامل الوحيد الذي يحكم إيقاع الشعر الإغريقي هو مقدار وحدات الوزن الرئيسة التي تتكرر في فترات منتظمة، ولذلك فهي حالة أوزان كمية (قياس الزمن). ولو كانت النبرة موجودة حقا فإن واجبها هو تنظيم الكمية عندما تُبعثر عن طريق مقطع ما. وللأوزان العربية القديمة طبيعة كمية كذلك، باعتبار أن أي مقطع في اللغة له أمد محدد على نحو تام , ولكن عدد المقاطع المحايدة في الشعر ـــ التي يمكن أن تكون طويلة، أو قصيرة ـــ عظيم جدا. وهذا يعني أن الكمية وحدها لا يمكن أن تكون حاسمة في أمر الإيقاع ـــ ليس فقط عبر النبر المنظم، وإنما عبر النبر المشكّل للقدرة كذلك ـــ على هذين الأمرين على حد سواء في وحدة غير قابلة للتجزئة، وغير قابلة للتغيير فيشكلان جوهر إيقاع التفعيلات، والأوزان. ونجد في معظم أبيات الشعر أن النبر الإيقاعي ونبر اللفظ يتفقان من حيث الطول، وحتى عندما تقع نبرة اللفظ في مقطع ليس فيه النبر الإيقاعي لا بكون هناك تنافر. وفي داخل البيت فإن النبرة الإيقاعية تعمل ـــ باعتبارها العامل الذي يشكل الإيقاع ـــ بقوة أكثر من نبرة اللفظ. ولكن، في العربية القديمة، مع التباين الموجود بين المقاطع الطويلة والقصيرة، فإن النبرتين كليهما تعتمدان على كمية المقاطع. وعليه، فإن قوتهما لا تكون كتلك عندما يقعان في لغة يكون النبر فيها هو العنصر الحاسم في موضوع الإيقاع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير