[أعيدوا النظر]
ـ[عبدالله]ــــــــ[20 - 05 - 2003, 09:13 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسعد الله مساءكم بكل خير
قرأت رأيا في المجلة العربية - العدد 256 - السنة 22 - سبتمبر 1998
للكاتب عبدالله بن سليم الرشيد في زاوية تحقيق مرويات أدبية
المقال طويل نوعا ما لكن لا بد من عرضه و أرجو أن لا تشعروا بالملل منه
و قد نقلته لكم هنا حرفيا حتى بعلامات التعجب الذي يحويه
--
شاع بين نابتة هذا العصر قصيدة متهافتة
المبنى و المعنى منسوبة للأصمعي صنعت لها قصة أكثر تهافتا
و خلاصة تلك القصة أن أبا جعفر المنصور كان يحفظ الشعر من مرة
واحدة و له مملوك يحفظه من مرتين
و جارية تحفظها من ثلاث مرات، فكان إذا جاء شاعر بقصيدة يمدحه بها
حفظها و لو كانت ألف بيت!! ثم يقول له: إن القصيدة ليست لك و
هاك اسمعها مني ثم ينشدها كاملة ثم ثقول له: و هذا المملوك
يحفظها - و قد سمعها المملوك مرتين مرة من الشاعر و مرة من
الخلفية - فينشدها ثم يقول الخليفة و هذه الجارية تحفظها - و قد
سمعتها الجارية ثلاث مرات - فتنشدها فيذهب الشاعر بغير شيء
قال الراوي: و كان الأصمعي من جلسائه و ندمائه فنظم أبياتا صعبة ثم
دخل على الخليفة و قد غير هيئته في صفة أعرابي غريب و التثم فلم
يبن منه سوى عينيه! فأنشده:
صوت صفير البلبل هيج قلب الثمل
الماء و الزهر معا مع زهر لحظ المقل
و انت يا سيد دلي و سيدي و موللي!
و منها - و كلها عبث فارغ -:
و قال: لا لا لللا و قد غدا مهرولي!
و فتية سقونني! قهيوة كالعسل
شممتها في أنففي! أزكى من القرنفل
و العود دن دن دنلي و الطبل طب طب طبلي!
و الكل كع كع كعلي خلفي و من حولي للي!
و هلم شرا (بالشين لا بالجيم) و كلها هذر سقيم و عبث تافه معنى و
مبنى
و لم ينته العبث بالعقول فقد زاد الراوي أن الخليفة و المملوك و الجارية
لم يحفظوها فقال الخليفة للأصمعي: يا أخا العرب هات ما كتبته في
نعطك زنته ذهبا فأخرج قطعة رخام و قال: إنني لم أجد ورقا أكتبه فيه
فكتبتها على هذا العمود من الرخام فلم يسع الخليفة إلا أن أعطاه وزنه
ذهبا فنفد ما في خزينته!!
إن هذه القصة السقيمة و النظم الركيك كذب في كذب و هي من صنيع
القُصّاص الذين لا يجيدون ما يملأون به فراغ أوقاتهم ن و لم ترد في
مصدر موثوق
و لم أجدها بعد بحث طويل إلا في كتابين يتعاور كلا منهما السفاهة و
التفاهة:
أحدهما: (أعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس) لمحمد
المعروف بدياب الإتليدي (توفي بعد سنة 1100 هجرية) و عمله في
هذا الكتاب [تشويه سيرة العباسيين و بخاصة هارون الرشيد فقد
خاض في عرضه و ذكرقصصا كأنه مشاهد لها مع أن بينه و بين الرشيد
أكثر من تسعمئة عام] (راجع: كتب حذر منها العلماء 2 - 172)
و الآخر: (مجاني الأدب من حدائق العرب) للويس شيخو (توفي سنة
1346 هجرية) و هو رجل متهم ظنين و يكفي أنه بنى أكثر كتبه على
أساس فاسد - كما عبّر بذلك عمر فروخ رحمه الله - و كانت عنده نزعة
عنصرية مذهبية جعلته ينقّب و ينقّر و يجهد نفسه ليثبت أن شاعرا من
الجاهليين كان نصرانيا (راجع تاريخ الأدب العربي 1 - 23)
و يظهر أنه نقل القصة عن الإتليدي و هو - أي الإتليدي - رجل مجهول لم
يزد من ترجموا له على ذكر سنة وفاته و أنه من القصاص و ليس له
سوى هذا الكتاب
و للقصاص في الوضع و الكذب و التشويه تاريخ طويل و قد كان جماعة
من السلف ينهون هم الحضور عندهم
و ألفت في التحذير منهم عدة كتب (أنظر: تاريخ القصاص للدكتور محمد
بن لطفي الصباغ)
ثم اعلم - أيها القارئ العزيز الحصيف -أن تاريخ يقول إن صلة الأصمعي
كانت بهارون الرشيد لا بأبي جعفر المنصور الذي توفي قبل أن ينبغ
الأصمعي و ينخذ نديما و جليسا
ثم إن المنصور كان يلقب بالدوانيقي لشدة حرصه على أموال الدولة و
هذا يخالف ما جاء في القصة
أضف إلى ذلك ان النظم الركيك أبعد ما يكون عن الأصمعي و جلالة قدره
و قد نسب له شيئ كثير لكثرة رواياته و قد يحتاج بعض ما نسب إليه
إلى تأن في الكشف و التمحيص قبل أن يقضى برده
غير أن هذه القصة - بخاصة - تحمل بنفسها تهم وضعها و كذلك النظم و
ليس ذلك بخاف عن اللبيب بل عن من يملك أدنى مقومات الثقافة و
التفكير الحر
و لم أعرض لها هنا إلا لأني رأيت جمهرة من شداة العرب يحتفون بها و
يتماهرون في حفظها و هي مفسدة للذوق مسلبة للفصاحة مأذاة
للأسماع
و بعد فإنه يصدق على هذه القصة قول عمر فروخ رحمه الله [إن مثل
هذا الهذر السقيم لا يجوز أن يروى و من العقوق للأدب و للعلم و
للفضيلة أن تؤلف الكتب لتذكر أمثال هذا النظم]
هذه هي المقالة بأكملها و أرجو المعذرة إن كانت هناك أخطاء إملائية
و جل من لا يسهو
ـ[ثابت قطنة]ــــــــ[18 - 07 - 2003, 02:46 ص]ـ
عبارات الثناء تقف متصاغرةً حيال هذه المقالة.
شكراً للناقل.
¥