تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويرى أحد الباحثين أن مفهوم مصطلح الصورة عند الجرجاني قد استقر على ثلاثة أركان:

*"الأول: تناول الصورة والتصوير في خضم البحث البلاغي0

*الثاني: هضم معاني الصورة لغةً واصطلاحاً من شتى مصادرها الأصلية وربطها بالنظرية الأدبية العربية التي ترى أن القول صناعة في عملية خلقها وفي غايتها0

*الثالث: يتلمس مصادر الصورة الأدبية ووسيلة خلقها ومعيار تقويمها في الواقع بأبعاده الموروثة ومقوماته الحيوية" (35)

فدراسة الصورة عند عبد القاهر هي دراسة متميزة ونظرته نظرة تغاير المفاهيم التي سبقت دراساته مما يحفزنا إلى اعتداده الناقد الأول الذي بسط القول في الصورة مفهوماً واصطلاحاً0

كما تناول عبد القاهر الجرجاني الصورة في باب (السرقات) حيث يتصدى "للقوم ويصف رأيهم بالخطأ المحض؛ لأنهم اعتبروا الصورتين المختلفتين لمعنى واحد يعدان شيئاً واحداً، ولا تفاوت بينهما؛ لأن المعنى في الصورة الأولى هو نفسه في الصورة الثانية إنما الاختلاف في هيئة النظم، وتركيب الصورة، وهذا لا يفيد شيئاً 000 وقد غلطوا فأفحشوا؛ لأنه لا يتصور أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين مثل صورة الآخر البتة، اللهم إلا أن يعمد عامد إلى بيت فيضع مكان كل لفظة منه لفظة في معناها، ولا يعرض لنظمه ولا تأليفه" (36)

فعبد القاهر "يؤكد على قيمة التعبير بالصورة من خلال تحويل المعنى المجرد إلى صور وأشكال تُرى بالعين، وفي قوله هذا إظهار للجانب البصري للصورة، وتركيز على فكرة تجسيم المعنوي" (37)

وليس أدل على إحاطة عبد القاهر بالصورة، وحسن معالجته قضاياها من أن يخصص الباحث (كمال أبو ديب) أطروحته للدكتوراة في جامعة أكسفورد، فيجعلها لدراسة الصورة الشعرية عند عبد القاهر الجرجاني" (38)

ويبين أحد النقاد مدى الحس النقدي المرهف الذي وصل إليه عبد القاهر على المستويين التنظيري والعملي معاً، فيقول: "قد يرتفع هذا الحس إلى مراقي الوعي النظري الذي يسعى إلى الكشف عن هذه الأدوات التعبيرية عن قانون عام ينظمها، لقد تحققت هذه الصحوة عند عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز0 لقد أدرك هذا البلاغي الفذ أن الشعرية، أو البلاغة تتحقق بفضل التصوير الذي يعترض المعنى، هذا التصوير أو "وجوه الدلالة على الغرض" هو مجموع الأدوات التصويرية البيانية من تشبيه وتمثيل واستعارة وكناية، وهذا ما يختصره الجرجاني في عبارته التي يتحدث فيها عن القدماء وفهمهم للصورة "إنهم لا يعنون بحسن العبارة مجرد اللفظ، ولكن صورة وصفة وخصوصية تحدث في المعنى" إن هذا الموضوع عينه الذي يحدده المعاصرون تحت تسمية (صورة) " (39)

ويقول الناقد نفسه: "لقد أنجز عبد القاهر الجرجاني قفزة نوعية في مجال التنظير للصورة الشعرية" (40)

ونستطيع من خلال نصوص عبد القاهر التي عرضنا لها، ومن خلال تعليقات النقاد عليها أن نوجز أثره في النقاط التالية:

q " أنه أعطى للفظ حقه، كما أعطى للمعنى حقه0

q الصورة الأدبية عنده تتشكل في الذهن أولاً، ثم تبرز إلى الخارج بعد انتظامها0

q الصورة يكون لها معنى مقصود، وغرض يهدف إليه الشاعر0

q أساس الجمال عنده يرجع إلى النظم والصياغة والتصوير0

q كل كلمة في النظم أو الصورة لا بد أن تأخذ مكانها بين أخواتها، ويرتبط معناها بمعاني الكلم فيها على أساس التوخي لمعاني النحو0

q تحققت الوحدة الفنية والترابط الوثيق بين أجزاء النظم والصورة والتلاؤم بين عناصرها0

q الخيال رافد من روافد الصورة المتعددة، وإن وقع في الصورة زادها جمالاً" (41)

فعبد القاهر بلغ قمة الخروج على المألوف والسطحي في معالجة قضايا الصورة،؛ فلقد اعتبرها عنصراً حيوياً من عناصر التكوين النفسي للتجربة الشعرية، "فلقد استطاع عبد القاهر أن يجمع في نظريته النقدية بين الاتجاهات الرئيسية في تعريف الصورة الشعرية، وأن يمزج بينها بشكل رائع ملغياً – بفكره التحليلي الثاقب – ما يبدو من تناقض ظاهري0 كما تجلت في مذهبه الشعري الصورة الشعرية مجازاً وانطباعاً حسياً ورمزاً بما في أشكال التعبير المختلفة موازية لما تمر به النفس من حالات، وما يتدرج الفكر فيه من مستويات" (42)

حازم القرطاجني (ت 684هـ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير