يعرف حازم الشعر بقوله: "الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه إليها" (43)
ويذكر حازم القرطاجني الصورة في مجال الحديث عن التخييل الشعري، فيقول: "والتخييل أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها، أو تصور شيء آخر بها انفعالاً من غير رؤية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض" (44)
فالشعر عند حازم إثارة المخيلة لانفعالات المتلقي، يقصد المبدع منها دفع المتلقي إلى اتخاذ موقف خاص، بمعنى أن صور الشعر ومخيلاته تثير كوامن النفس وصورها المختزنة عند المتلقي، ومن هنا فالصورة – عند حازم – "لم تعد تشير إلى مجرد الشكل أو الصياغة فحسب، ولم تعد تحوم حول التقديم الحسي، وإنما أصبحت محددة في دلالة سيكولوجية خاصة تتصل اتصالاً وثيقاً بكل ما له صلة بالتعبير الحسي في الشعر" (45)
والمأخوذ من كلام الناقد الكبير أن الصورة قد تطور مفهومها عند حازم القرطاجني فلم تعد مقصورة على الشكل فحسب، بل شملت كل ما يؤثر في المتلقي بتغيير مواقفه القديمة، أو باتخاذ مواقف جديدة بعد أن تفاعلة صور النص مع مخيلة المتلقي، كما ربط الناقد نفسه بين الجانب الفني لمصطلح الصورة، وبين الجانب النفسي0
كما يحرص حازم – عند تكوين الصور – أن يربط بين دلالة اللفظ ودلالة المعنى، وعنده أنها من المسلمات حتى أنه ليقارن بين دلالة المعاني والألفاظ ويعبر عنهما بصورة ذهنية، وهو إنما يحقق في ذلك من أجل أن يتفرغ لإتمام اللفظ بالمعنى وإتمام المعنى باللفظ، فيقول: "إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان، فكل شيء له وجود خارج الذهن وأنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة في أفهام السامعين وأذهانهم" (46)
فهو يرى تشخيص اللفظ للصورة الذهنية عند إدراكها بما يحقق الدلالة المركزية التي يتعارف عليها الاجتماع اللغوي، أو العرف العام بما يسمى الآن الدلالة الاجتماعية اللغوية0
ويبين حازم أن التصوير قرين المحاكاة، والمحاكاة عنده قسمان:
أ – محاكاة الشيء نفسه0
ب – محاكاة الشيء في غيره0
فالقسم الأول يشير إلى مجرد النقل المباشر عن العالم المرئي، بينما القسم الثاني يشير إلى الأنواع البلاغية للصورة كالتشبيه والاستعارة0 يقول حازم: "والذي يدركه الإنسان بالحس فهو الذي تتخيله نفسه؛ لأن التخييل تابع للحس، وكل ما أدركته بغير الحس فإنما يُرام تخييله بما يكون دليلاً على حاله من هيئات الأحوال المطيقة به واللازمة له حيث تكون تلك الأحوال مما يحس ويُشاهد، فيكون تخييل الشيء من جهة ما يستبينه الحس من آثاره والأحوال اللازمة له حال وجوده، والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده0 وكل ما لم يحدد من الأمور المحسوسة بشيء من هذه الأشياء، ولا خُصص بمحاكاة حال من هذه الأحوال، بل اقتصر على إفهامه بالسم الدال عليه، فليس يجب أن يُعتقد في ذلك الإفهام أنه تخييل شعري أصلاً؛ لأن الكلام كله كان يكون تخييلاً بهذا الاعتبار" (47)
ويحرص حازم على التناسق داخل الصورة، ومراعاة التناسب بين عناصرها ومكوناتها، ويفرق في ذلك بين الصور المرئية، والمسموعة وغيرها: "ويجب في محاكاة أجزاء الشيء أن ترتب في الكلام على حسب ما وجدت عليه في الشيء لأن المحاكاة بالمسموعات تجري من السمع مجرى المحاكاة من المتلونات من البصر، وقد اعتادت النفوس أن تصور لها تماثيل الأشباح المحسوسة ونحوها على ما عليه ترتيبها، فلا يوضع النحر في صورة الحيوان إلا تالياً للعنق، وكذلك سائر الأعضاء، فالنفس تنكر لذلك المحاكاة القولية إذا لم يوال بين أجزاء الصور على مثل ما وقع فيها كما تنكر المحاكاة المصنوعة باليد إذا كانت كذلك" (48)
ونستطيع أن نوجز في نقاط أبرز ما توصل إليه حازم في مجال التصوير، ومنه:
"وضع حازم الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان ضمن مبحث المعاني، فإذا أراد الشاعر أن يولد الصور فليس أمامه سوى الألفاظ، والألفاظ عاجزة عن التأثير ما لم تكن في مدار الأوصاف0
¥