يميز حازم بين الصورة التي تصنعها المحاكاة التامة في الوصف والتصور الذي يعني حصول صورة الشيء بالعقل وإدراك ماهيته0
الفضل في إبداع الصورة راجع إلى تجربة الشاعر النفسية وبيئته النفسية0
التصوير يتم من خلال ثلاث قوى: الأولى: هي القوة الحافظة حيث تكون صورة الأشياء مرتبة فيها على حد ما وقعت عليه في الوجود، والثانية: قوة مائزة، وهي التي يميز بها الإنسان ما يلائم الموضع والنظم والأسلوب، أما القوة الأخيرة: فهي القوة الصانعة التي تتولى العمل في ضم بعض أجزاء الألفاظ والمعاني والتركيبات النظمية والمذاهب الأسلوبية إلى بعض" (49)
ثالثاً: الصورة في النقد الحديث:
لقد أولى النقاد المحدثون الصورة اهتماماً كبيراً، وليس أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من الدراسات التي أصبحت تتخذ من الصورة عنواناً لها، وذلك لما للصورة من أهمية عظمى في جذب المتلقي ليتفاعل مع المبدع؛ "فلقد كانت الصورة الشعرية دائماً موضوعاً مخصوصاً بالمدح والثناء، إنها وحدها التي حظيت بمنزلة أسمى من أن تتطلع إلى مراقيها الشامخة باقي الأدوات التعبيرية الأخرى والعجيب أن يكون هذا موضع اتفاق بين نقاد ينتمون إلى عصور وثقافات ولغات مختلفة" (50)
ولسوف نعرض لموقف بعض النقاد المحدثين حول الصورة، ونخص بالكر من كان لهم دراسات تحمل عنوان الصورة، وتتحدث عنها في محتواها0
مصطفى ناصف:
لعل أول دراسة تحمل مصطلح الصورة عنوانا لها هي دراسة ناصف، والتي ظهرت في أولى طبعاتها عام 1958م عن دار مصر للطباعة0
والمتأمل موقف ناصف يجده دائماً مغرماً بإنكار جهود القدماء، ونفي المزية والفضل عنهم؛ فهو ينكر أن يكون العرب قد عرفوا الصورة الفنية "بحجة أن النقد العربي القديم لم يعرف الاحتفال بالقوى النفسية ذات الشأن في إنتاج الشعر" (51)
كما ينكر اهتمام العرب بالخيال، فيقول: "والحق أن لدينا قرائن أخرى تكشف عن إهمال الخيال في النقد العربي" (52)
وقد أنكر الناقد نفسه موقف الشاعر علي الجارم (1881 – 1949م) من الشعر لأنه دعا إلى المحافظة على الأسلوب العربي الصميم، وقال إن المشكلات التي تثيرها الصورة لم يعرفها النقد القديم" (53)
ويعرف مصطفى ناصف الصورة بقوله: "إنها منهج فوق المنطق لبيان حقيقة الأشياء" (54)
ويعلق البصير على هذا التعريف للصورة بقوله: "فهو يحاكي مرة رأي الآخرين، ثم يصطفي لنفسه رأياً من وحي السرياليين واللامعقولين الأوربيين، ويقرر أن الصورة الأدبية منهج فوق المنطق لبيان حقيقة الأشياء، ويقين أن هذا القرار في تحديد طبيعة الصورة الفنية أغرب من الغريب؛ إذ كيف يكون لما فوق المنطق منهج؟ وكيف يتمكن هذا المنهج العائم فوق المنطق من بيان حقيقة الأشياء؟ أليست حقيقة الأشياء منطقية، وأن الأشياء لا تعزز إلا ما هو منطقي" (55)
ويعلق ناقد آخر على موقف مصطفى ناصف في دراسته السابقة: "لم تبذل جهدها في تأمل المفاهيم القديمة للصورة ومناقشتها، فتركت معالجة نظرية الخيال في الموروث00" (56)
أما الولي محمد، فبعد أن يتعرض لناصف وكتابه يقول: "وبهذا أمكن الحكم على موقف مصطفى ناصف بالارتباك" (57)
ثم يقول – بعد استشهادات كثيرة – "وهذا كله كلام عام فضفاض لا يقدم أية إضاءة جادة للصور الجديدة في الشعر المعاصر" (58)
محمد غنيمي هلال:
ويرى أن ندرس الصور الأدبية "في معانيها الجمالية، وفي صلتها بالخلق الفني والأصالة، ولا يتيسر ذلك إلا إذا نظرنا لاعتبارات التصوير في العمل الأدبي بوصفه وحدة، وإلى موقف الشاعر في تجربته، وفي هذه الحالات تكون طرق التصوير الشعرية وسائل جمال فني مصدره أصالة الكاتب في تجربته وتعمقه في تصويرها، ومظهره في الصور النابعة من داخل العمل الأدبي والمتآزرة معاً على إبراز الفكرة في ثوبها الشعري" (59)
وقد تعرض الناقد الكبير لفلسفة الصورة عند المذاهب الأدبية: الكلاسيكية، والرومانتيكية، والبرناسية، وغيرها، (60)
وأوضح أن النظرة القديمة للخيال كانت عقبة في سبيل فهم الصورة؛ لأنهم – أي القدماء – لم يفرقوا بين الوهم وبين الخيال0
¥