4 - لفت النظر إلى هذا الشاعر، علّ أحداً يظفر بديوانه، أو يُتابع دراسته.
5 - حق البحث العلمي، فإن المعرفة غاية تستحق منا جميعاً الجهد لتوفير وسائلها.
ثم تحدّث عن منهجه في البحث، فقال إنه قائم «على هذا الأصل العام، وهو أن آثار الأديب ثمرة التفاعل بينه وبين بيئته، على أن يُراد بالبيئة ذلك المعنى الواسع الذي يتناول العناصر الجغرافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».
*في الباب الأول: وعنوانه «عصر الراعي»، يتحدث المؤلف في الفصل الأول منه عن «الحياة السياسية»، ويذكر أن قيس عيلان ـ قبيلة الشاعر ـ كانت زبيرية الهوى، خاصة «مرج راهط»، ضد بني أمية، مما أحنق بني أمية على قيس عيلان، وبخاصة عبد الملك بن مروان الذي أخذ يُناصبها العداء، ويرميها بأقسى الولاة، ويثقلها بفادح الخراج (ص9).
ثم تغير الموقف في عهد هشام بن عبد الملك الذي مال إليهم، وقرّبهم نحوه، وألحقهم بالديوان، وفرض لهم الرواتب والجرايات، ومنذ ذلك الحين ارتفع شأن القيسية، وصاروا من أنصار بني أمية (ص10).
*وفي الفصل الثاني تحدث عن «الحياة الاجتماعية»، فذكر أن العصبية اشتعلت من جديد بظهور الأحزاب السياسية، «على أن هذه العصبية التي كانت في دماء العرب لم تكن قبلية فحسب، بل كانت أيضاً إقليمية كتلك التي بين الشام والعراق، ومدنيّة كالتي كانت بين الكوفة والبصرة، كما كانت أيضاً جنسية بين العرب والموالي». وفي ظلال هذه وتلك ازدهر الشعر السياسي كما ازدهرت النقائض الأموية بين جرير وخصومه في ظلال العصبية القبلية خاصة، وكان الراعي النميري أحد شعرائها الفحول الذين ملؤوا بها جوانب «المربد» (ص11).
*وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف عن «الحياة الأدبية»، وبخاصة الشعر، الذي عاد إلى سابق عهده من حيث القوة والازدهار: فخراً، ومديحاً، وهجاءً، وغزلاً.
«ولقد كان خلفاء بني أمية وولاتهم يميلون إلى الأدب ويهتزون له، فقربوا إليهم الشعراء، وأجزلوا لهم العطاء، ولهذا غصّت بهم مجالس الأدب في دمشق، وساحات الولاة والقواد والأقاليم» (ص11).
والشعراء في عصر الراعي ثلاث طبقات:
1 - طبقة الشعر التقليدي، وهي الطبقة الفنية المُحافظة وموطنها العراق، وأغلب شعرائها قدموا من البادية، وتضم من فحول الشعراء: جريراً، والفرزدق، والأخطل، والراعي، وذا الرمة، والقطامي، ورؤبة، والعجاج.
2 - طبقة الشعر السياسي: كعبد الله بن قيس الرقيات، والكميت، والطرماح بن حكيم، وغيرهم من شعراء الأحزاب. وكان العراق موطن هذه الطبقة.
3 - طبقة الشعر الغزلي: وخير من يمثلهم: عمر بن أبي ربيعة، والأحوص، وكثير، وجميل، وكان موطنها الحجاز.
وإذن ـ على أساس هذا التقسيم ـ فقد كان الراعي من شعراء الطبقة الفنية المحافظة، ولقد عده ابن سلام ـ في طبقاته ـ من شعراء الطبقة الأولى، مع جرير، والفرزدق، والأخطل.
...
*وفي «الباب الثاني» وعنوانه «حياة الراعي» تحدث المؤلف في الفصل الأول عن قبيلته فذكر أن الراعي يُنسب إلى بني نمير إحدى بطون قيس عيلان المضرية، وكانت قيس هذه عزيزة الجانب، مرهوبة السلطان، بوفرة عددها، وبسالة فرسانها، حتى انضمت إليها في الجاهلية بعض القبائل المستضعفة، كي تحتمي بها، وتعيش في كنفها. «أما في الإسلام فقد بلغت من عزتها أن طمعت في الخلافة، وكادت تظفر بها من أيدي الأمويين، لولا استنجادهم باليمنية والتغلبية» (ص40).
ولقد كانت بنو نمير التي ينتسب إليها الشاعر جمرة من جمرات العرب الثلاث، فهي إذن من أشرف بيوتات قيس عيلان الجد الأكبر للراعي.
ثم يتحدث المؤلف عن الشاعر، وكنيته، ونسبه، ثم مقوماته الأدبية، ويرى أنه اشترك في تكوين شخصيته الأدبية ثلاثة عوامل، هي:
1 - الطبع، أو النفس الشاعرة.
2 - البيئة التي نشأ فيها، ويسميها المؤلف البيئة الطبيعية.
3 - البيئة العلمية.
ويتحدث المؤلف عن مدرسة الراعي، فيرى أنه تلميذ للنابغة وطرفة، وأستاذ لابنه جندل وذي الرمة والطرماح «وهذه هي مدرسة الراعي التي كان لها طابع خاص في هذا العصر، فقد حافظت على المناهج الجاهلية أكثر من سواها، كما أن أعضاءها أخذوا بقسط من تعاليم الإسلام، تجلّى في شعرهم، وبذلك كانت هذه المدرسة آخر حلقة من حلقات الشعر الجاهلي القديم، وإن امتدّ بها الزمن إلى آخر العصر الأموي» (ص60).
¥