إننا لو وضعنا سلماً للقيم الثقافية جنباً إلى جنب مع السلم الاجتماعي لقررنا مبدئياً أن السلمين يتجهان في الاتجاه نفسه من الأسفل إلى الأعلى أي أن المراكز الاجتماعية تكون تلقائياً موزعة حسب الدرجات الثقافية.
وهذه حقيقة نمارسها في حياة كل مجتمع ولو كان يواجه بعض الأزمة الثقافية على شرط أنها لم تبلغ درجة اللارجوع، أما في المجتمع الذي بلغ هذه الدرجة، فإن السلمين ينعكسان، الواحد بالنسبة للآخر إنعكاساً تصبح معه القاعدة الشعبية - على الأقل بمحافظتها على الأخلاق – أثرى ثقافياً من قيادتها، فمن يرقى درجات السلم ويأخذ مكانه ودوره الاجتماعي في العالم المتخلف ليس من أهل الدرجات العلمية الثقافية، بل من يرضى عليه أولو الأمر في السلطة.
لكن كيف نخلص الإنسان من الاستعمار الثقافي؟ والذي معناه استمرار الاستعمار السياسي والاقتصادي إن الإنسان المطلوب تغييره من أجل تنشيط عملية البناء الحضاري لا يمكن تغييره وتخليصه من الدونية باتجاه الآخر المستعمر، إلا إذا هيأنا له مناخاً تربوياً متحرراً من النفوذ الاستعماري وجواً ثقافياً أصيلاً. وشعوراً متعالياً بالشخصية وعلى أي حال فإن الفرد منذ ولادته في عالم من الأفكار والأشياء يعتبر معها في حوار دائم، فالمحيط الثقافي الداخلي الذي ينام الإنسان في ثناياه ويصحو، والصورة التي تجري عليها حياتنا اليومية تُكَوّنُ في الحقيقة إطارنا الثقافي الذي يخاطب كل تفصيل فيه روحنا بلغة ملّفزة، ولكن سرعان ما تصبح بعض عباراتها مفهومة لنا ولمعاصرينا، عندما تفسرها لنا ظروف استثنائية تتصل مرة واحدة بعالم الأفكار وعالم الأشياء وعالم العناصر، فإذا بها تكشف عن مضمونها تماماً كما كشفت التفاحة لنيوتن عن سر الجاذبية.
فالإبداع والعطاء لن يكونا إلا عندما نترك لعالم الأفكار أن يحاول حلَّ خفايا عالم الاشياء في هذه الحالة تتوالى الحلول تترى، وبذلك تقوم النهضة العلمية في مجتمع ما، أما إذا كان عالم الأفكار مستعاراً فسيكون عنده قصور في الكشف، وتراوح الأمور العلمية مكانها.
وإذا أردنا أن ننشئ ذاتاً جديدة لإنسان اليوم في العالم العربي والإسلامي، فيقتضي ذلك قبل كل شيء تنقية المحيط الأسروي، والمدرسي، والاجتماعي العام، من الإستعارات التي تحمل في طياتها هدفاً إستعمارياً تخريبياً، يحاول زرع التفقير والتجهيل والإنحراف في مجتمعاتنا بشتى الوسائل، وأهمها استغلال غفلتنا.
ويتحدد دور ومكانة الفرد في أمته تبعاً لعلاقة المجتمع بالأشياء أم بالأشخاص أم بالأفكار، إذ يمكن الإشارة إلى أوجه التشابه بين بعض مظاهر النمو العقلي عند الفرد، والتطور النفسي – الاجتماعي للمجتمع، وهذا الأخير يمر هو أيضاً بالأعمار الثلاثة
1 - مرحلة الشيء.
2 - مرحلة الشخص.
3 - مرحلة الفكرة.
يتبع ..................
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[14 - 07 - 2008, 08:23 م]ـ
صور للمفكر مالك بن نبي
http://i34.tinypic.com/29elzef.jpg
صورة للمفكر مع الاستاذ جودت
http://jawdatsaid.net/images/WORLDWW.JPG
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[17 - 07 - 2008, 04:08 م]ـ
بارك الله فيك أختي الكريمة على هذا التعريف الرائع بهذا العَلم الشامخ.
ـ[عفاف صادق]ــــــــ[17 - 07 - 2008, 06:43 م]ـ
بيد أن الانتقال هنا من مرحلة إلى مرحلة أخرى ليس بالوضوح الذي نراه عند الفرد. فكل مجتمع مهما كان مستواه من التطور له عامله الثقافي المعقد، ففي نشاطه المتناغم هنالك تشابك بين العوالم الثلاثة: الأشياء والأشخاص، والأفكار، ولكن يظل هنالك دائماً رجحان لأحد هذه العوالم الثلاثة، وبهذا الرجحان الذي يظهر في سلوك المجتمع وفكره يتميز كل مجتمع عن سواه من المجتمعات.
فالمجتمع المتخلف ليس موسوماً حتماً بنقص في الوسائل المادية (الأشياء)، وإنما بافتقاره للأفكار، ويتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه، بقدر متفاوت من الفاعلية، وفي عجزه عن إيجاد غيرها، وعلى الأخص في أسلوبه في طرح مشاكله أو عدم طرحها على الإطلاق، عندما يتخلى عن أي رغبة ولو مترددة بالتصدي لها، أما حاله مع عالم الأشخاص، فإنه يدور حول شخص الزعيم فيجعل منه وثناً يُعبد.
¥