وأما قوله: إن كتاب شاهنامة ستون ألف بيت، كلها في غاية الحسن من الفصاحة والبلاغة، وما فيها ما يعاب، فإن هذه الدعوى لا تسمع مجردةً عن البرهان الذي يؤيدها. ومن يأتي بستين ألف كلمة، أو بستة آلاف كلمة تكون في غاية الفصاحة في الألفاظ، والبلاغة في المعنى حتى إنها لا تعاب بوجه؟! هذا ليس في قوى البشر في لغة من اللغات.
سلمنا أن ذلك ما يعاب في تلك اللغة، فمن أين لك أن جيد شعر العجم في طبقة جودة شعر العرب.
كما تقول: القمر أشد نورا من النجوم، والشمس أشد نورا من النجوم، فالشمس والقمر اشتركا في الفضيلة على النجوم، ولكنهما في نفسيهما لا يستويان مثلا.
وكلٌّ له فضله والحجو ل يوم التفاضل دون الغرر
فهل جيد العجم مثل جيد العرب. كوصف امرئ القيس في الخيل، والنابغة في الاعتذار، وزهير في المدائح، والأعشى في الخمر؟ أو كجيد جرير والفرزدق والأخطل وبشار بن برد ومسلم بن الوليد وأبي نواس وديك الجن والحسين بن الضحاك والمتنبي وأبي تمام والبحتري وابن الرومي وابن المعتز وأبي فراس وغيرهم وإلى هذا العصر، وما بين ذلك من الشعراء الذين تغرق قطرات العجم
في لججهم، حتى إنه يقول: إن ذلك كله جيد لا يعاب. هل يستويان مثلا في الجودة من حيث هي:
ألم تر أنّ السيف ينقص قيمةً إذا قلت إنّ السيف أمضى من العصا
وإنما قلّ الجيّد في الشعر، لأن البلغاء وعلماء الأدب انتقوا الجيد العالي الذي يكون نهاية في الفصاحة والبلاغة، وجعلوه أنموذجا ومثالا يحذى، على ما قرروه بقوة فكرهم وصحة انتقادهم. فكان ذلك الجيد في الطبقة العليا. ولا جرم أن الساقط من الشعر أكثر من العالي عند أئمة البلاغة، وإلا فعلى الحقيقة، الذي يعده أرباب البلاغة من ساقط الشعر يكون جيدا عند غيرهم غير معيب، إلا ما
هو ساقط إلى الغاية. وهذه النكتة هي العلة في قلة الجيد من الشعر.
ومن أين في شعر العجم ما في شعر العرب من المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه والتورية والاستخدام والجناس، على اختلاف كل نوع من هذه الأنواع وتشعب أقسامه. إلى غير ذلك من أنواع البديع وهو ما يقارب المائة نوع. هيهات ما بينهما صيغة أفعل.
وذكر الحصري في زهر الآداب أن أعرابيا قال لشاعر من أهل الفرس: الشعر للعرب، وكل من يقول الشعر منكم، فإنما نزا على أمه رجل منا. انتهى.
وقد أنصف ابن خلف في قوله: وللعرب بيت وديوان، وللعجم قصر وإيوان
وأما دعواه أن الشاعرلا يحسن في الأكثر، فالعذر في ذلك ظاهر. لأنه في ضائقتين شديدتين إلى الغاية. وهما: الوزن، ولزوم الروي الواحد. والناثر غير مضطر إلى شيء منهما، بل هو مخلىً ونفسه، إن شاء أتى بسجعتين على حرف واحد، وإن شاء على أكثر، وإن شاء أتى بالسجعة على عشرين كلمة، أو على
أقل إلى كلمتين. ولو أتى الكاتب برسالة مطولة على حرف واحد في سجعه، وعدد مخصوص من كلمات السجع، لكان حاله حال الشاعر، بل كان كلامه أسمج وأثقل على الأسماع والقلوب، لأن الشعريروجه الوزن، ولا كذلك النثر. فحينئذ لا يصلح هذا أن يكون فضيلة في النثر على النظم.
وكيف ولم يزل للشعر ماءٌ يرفّ عليه ريحان القلوب
.اهـ
وأعتذر عن الإطالة لكنها لن تخلو من فائدة إن شاء الله
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[31 - 03 - 2009, 05:38 ص]ـ
أما اقتراح أبي سهيل فأنا عندي منه مادة يسيرة لعمل مبحث صغير، فإن أردتم بدأنا.
ننتظرك على أحر من الجمر
دمت موفقا
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[31 - 03 - 2009, 06:25 ص]ـ
بارك الله فيك طبيبنا عز الدين
فنونية ابن القيم رحمه الله تعالى (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) من القصائد الطويلة المشهورة وقد اعتنى بها العلماء والمشايخ عناية خاصة وأفردوا لها أكثر من شرح
وهي بحق كما سماها مؤلفها كافية شافية
دمت بخير
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[31 - 03 - 2009, 06:55 ص]ـ
أستاذي الكريم عاشق القلم
أشكرك على تفاعلك المثمر مع الموضوع
وكلام الشيخ حول البيقوني درة ثمينة ينبغي على طلاب العلم استحضارها
ولا يخفى عليكم أنّ هناك نمطا آخر من الشعر- مع الأخذ في الاعتبار اختلاف النظم المحض عن الشعر- وهو ألا يُعرف للشاعر غيرُ قصيدة واحدة مع وجود ترجمة له، وذلك مثل: قصيدة مالك ابن الريب التي رثى بها نفسه وليس له ما يُعرف من الشعر إلا هذه المرثية التي مطلعها:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً ... بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
¥