ويأبى عبد الله إلا أن يقنع محمداً بسعة عفو الله ورحمته، فها هو يعاود نصحه قائلا: يا أخي، احمد الله أنك لم تمت على هذه الحال .. يا أخي إن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة)، ثم إن قنوطك من رحمة الله عز وجل أعظم من عصيانك له .. ثم أخذ يتلو عليه آيات الرحمة والرجاء، وأحاديث التوبة، وكرم الله وجوده في قبول التائبين .. ولكأني به قد أيقظ في نفس محمد بارقة أمل، فيحس محمد أن باب التوبة فد انفرج عن فتحة ضيقة يستطيع الدخول فيها.
وهنا تكسرت أمواج قنوط محمد العاتية على شطآن نصائح عبد الله الغالية، فشعر بثقل هائل ينزاح عن كاهله .. فيخف جناحه، وترفرف روحه، تريد التحليق في العالم الجديد .. في عالم الأوبة والتوبة .. !
ها هو ذا صدره أرضاً بكراً يستقبل أول غرسة من النصائح المثمرة .. تلك النصائح التي نشرت الأمان والطمأنينة والرجاء في نفس محمد كما ينشر المطر -بإذن الله- الاخضرار على وجه الصحاري المفقرة المجدبة .. !
وها هو ذا عبد الله يعرض عليه أمراً: ما رأيك يا أخي الكريم أن تذهب إلى دورة المياه لتغتسل .. لتريح نفسك .. ولتبدأ حياة جديدة ..
فما كان من محمد إلا أن وافق ناشداً الراحة .. وأخذ يغتسل، ويغسل من قلبه كل أدران الذنوب وقذارتها التي علقت به .. لقد غسل قلبه هذه المرة، وملآه بمعان مادتها من نور ..
وسارا نحو المسجد، وما زال الإمام يتلو آيات الله .. تتحرك بها شفتاه، وتهفو لها قلوب المصلين.
وأخذا يتحدثان .. وصدرت الكلمات من شفتي عبد الله رصينة تفوح منها رائحة الصدق والحق والأمل، بريئة من كل بهتان ..
وهز محمداً الحديث فكأنما عثر على كنز قد طال التنقيب عنه .. ! ثم أخذ يحدث نفسه: أين أنا من هذا الطريق .. ؟ أين أنا من هذا الطريق .. ؟ .. الحمد لله غص بها حلقه من جرّاء دموع قد تفجرت من عينيه .. سار والدموع تنساب على وجنتيه، فحاول أن يرسم ابتسامة على شفتيه، بيد أنها ابتسامة مخنوقة قد امتقع لونها؛ فنسيت طريقها إلى وجهه؛ فضاعت ..
قال: عسى الله أن يغفر لي -إن شاء الله-.
فبادره عبد الله: بل قل اللهم اغفر لي واعزم في المسألة يا رجل.
واتجها صوب المسجد، ونفس محمد تزداد تطلعاً وطمعاً في عفو الله ورضاه ..
دخل المسجد ولسان حاله يقول: اللهم اغفر لي .. اللهم ارحمني .. يا إلهي قد قضيت حياتي في المنحدر .. وها أنذا اليوم أحاول الصعود، فخذ بيدي يا رب العالمين ..
يا أرحم الرحمين .. إن ذنوبي كثيرة .. ولكن رحمتتك أوسع ..
ودخل في الصلاة وما زال يبكي .. الذنوب القديمة تداعى بناؤها .. وخرج من قلب الأنقاض والغبار قلباً ناصعاً مضيئاً بالإيمان .. !
وأخذ يبكي .. وازداد بكاؤه .. فأبكى من حوله من المصلين .. توقف الإمام عن القراءة، ولم يتوقف محمد عن البكاء .. قال الإمام: الله أكبر وركع .. فركع المصلون وركع محمد .. ثم رفعوا جميعاً بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده .. لكن الله أراد أن لا يرتفع محمد بجسده .. بل ارتفعتْ روحه إلى بارئها .. فسقط جثة هامدة ..
وبعد الصلاة .. حركوه .. قلبوه .. أسعفوه علهم أن يدركوه .. ولكن (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
المصدر/ مكتبة صيد الفؤاد الإسلامية.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 09:38 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
القصة بعنوان:
ضابط يبيع روحه لله
بطل هذه القصة .. بطل بكل ما تعنيه هذه الكلمة، النقيب عبدالرحمن بن محمد النقيدان .. شاب صالح من شباب هذا الوطن .. متزوج وله ولدان وبنت .. أكبرهم محمد.
درس أبو محمد الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم .. ثم التحق بكلية الملك فهد الأمنية وتخرج منها عام 1409هـ برتبة ملازم .. وعين في جهاز مكافحة المخدرات بالقصيم.
وبعد سبع سنوات نقل عبد الرحمن إلى منطقة تبوك.
وفي تبوك كان النقيب عبدالرحمن مثالاً للمجاهد الصادق الذي يذود عن دينه ووطنه بكل ما يملك .. فلو رأيته في ساحة الميدان لرأيت الأسد الذي يرهب المجرمين بقوته وشجاعته .. ولو رأيته في دور القضاء الشرعي لرأيت الطود الشامخ في ثباته على مبدئه، وحفاظه على أمن مجتمعه.
¥