2 - النّصوص الخفيّة التي فيها كلمات تحتاج إلى شرح وبيان؛ فكلّ ما يدخل في درجات الخفاء عند الأصوليّين يكون من النص الخفيّ غير الواضح.
مثل: كلمة الرّهان في قوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) -مسألة الخفاء يتفاوت النّاس فيها, فما يراه البعض خفيّا لا يكون كذلك عند آخرين؛ فهي مسألة نسبيّة ليست على حدّ واحد-وللاستنباط من النصوص الخفيّة فلا بد أوّلاً من تحرير المعنى والتّفسير الصّحيح للآية قبل استخراج المعنى.
فالشرط الوحيد للنص: أن يكون المعنى الذي بني عليه الاستنباط صحيحا؛ ولو كان المعنى خاطئا فسينبني عليه استنباطا خاطئا.
أمثلة للاستنباط من المعنى الواضح:
استنباط صحيح: قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (اجعلني على خزائن الأرض) يستنبط منها: جواز طلب الولاية لمن كان أهلا لها.
طريق الاستنباط: الاستنباط من أفعال الأنبياء.
(قاعدة: كلّ ما ورد في القرآن من أفعال الأنبياء فهو محل للقدوة؛ إلا إذا جاء في القرآن أو السنّة ما يخالفه)
ويمكن أن يستنبط أيضا: جواز التولي للظالم (التولي عند ظالم) -كما فهمت-وهو استنباط صحيح.
استنباط خاطئ: مثاله الاستنباط من قوله تعالى: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) استنبط منها بعض الفرق: أن العمل غير الإيمان. وأنّ الإيمان في القلب, وليس من العمل, وهو مذهب المرجئة.
اعتمادا على قاعدة: العطف يقتضي التغاير. والصحيح أن هذه القاعدة ليست مطردة. ولتقرير صحة الاستنباط ينبغي تقرير صحة القاعدة التي بني عليها.
أمثلة للاستنباط من الآيات خفية المعنى:
قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) -يمكن أن تكون خفيّة من ناحية وجود بعض الكلمات خفيّة المعنى؛ والخفاء أمر نسبيّ-.استنبط منها العلماء قاعدة: درء المفاسد، وهو استنباط صحيح مبنيّ على تأمّل علل أفعال الله تعالى وعلل الأوامر والنّواهي؛ فعلّة النّهي هنا عدم الوقوع في مفسدة أعظم، وهي سبّ الله تعالى.
وقاعدة: درء المفسدة مقدّم على تحصيل المنفعة قاعدة مطّردة.
ومنها: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة)، استنبط منها بعضهم: أنّ الرّهن لا يجوز إلا في السّفر.
والرّهن: مقابلة الدّين بعين.
طريق الاستنباط: الشّرط -وهو أحد أنواع مفهوم المخالفة-.
وهذا الاستنباط باطل, لمخالفته ما هو أرجح منه, فهو قد خالف نصّاً صريحاً هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي, وهذا في الحضر. وفعله يدلّ على الجواز، وهو مخالف لهذا الاستنباط.
من الأمثلة كذلك: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)
رجالا: جمع راجل وهو عكس الراكب.
والضامر: الناقة التي تضمر من شدة السير.
فج: الطريق بين جبلين.
استنبط منه أن الراجل أفضل من الراكب.
وطريق استنباطهم: أنّ التقديم يدلّ على الأفضلية، وليس هذا صحيحا؛ (يا معشر الجن والإنس) , (هارون وموسى) فهذه القاعدة غير مطردة، وقد خالف هذا الاستنباط فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد حجّ راكباً, وفعله صلى الله عليه وسلم أفضل من فعل غيره, وهو محلّ القدوة.
من الأمثلة أيضا: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) استنبط منها العلماء معنى في غاية الدّقة, قالوا: أنّ الرجل إذا حلف أن لا يكلم شخصا فأرسل إليه برسالة مكتوبة فقد حنث؛ لأن الله تعالى جعل إرسال الرسول نوعا من الكلام! والرسالة المكتوبة كالرسالة اللفظية كما في القاعدة الفقهية.
الرّكن الثاني:
المستنبِط؛ ولا بدّ فيه من شروط:
1 - صحة الاعتقاد: ويعنى بها أمرين فقط -لا يدخل فيها المخالفة في بعض أمور القعيدة- والأمرين هي:
أولا: صحة مصادر التلقي؛ فيعتمد المصادر الصحيحة عند أهل السنة, وهي الكتاب والسنة والإجماع.
ثانيا: صحة القصد؛ فنيّته طلب الحق لا أن يستخرج منه ما يوافق هواه.
الأمثلة:
قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا). قال بعض الرافضة: هذا نص في ولاية علي رضي الله عنه. ووجه الدلالة عندهم أن تفسير (الذين آمنوا) هو علي رضي اله عنه.
¥