والأمر المهم في تحقيق السنن هو إخراجها متقنة كما حررها مصنفها، والمحافظة على أمانة النص، وبالله التوفيق.
ـ[سابعًا: ما رأي شيخنا الكريم في المخطوطات مجهولة المصدر؟ وما مدى الوثوق فيها؟ وما رأيكم بنشر المخطوطات على الشبكة في المواقع دون بيان لمصدرها؟ وكذا في الكتب المطبوعة؟ وهل بإمكاننا الاعتماد والاستفادة من الكتب مجهولة المصدر مطبوعة ومخطوطة؟ خاصة وأن الكتب المطبوعة ربما كانت لبعض الشركات أو لبعض الأشخاص ولكنها وصلت إلى الشبكة وتداولها الناس بعد ذلك، فهل يحلها التداول وتصبح مشاعًا للجميع؟ أم علينا التورع في سحبها والاستفادة منها؟ وكذلك الحال بالنسبة للمخطوطات؟ ]ـ
لابد من ذكر مصادر النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق، والتثبت من صحة نسبتها، والتثبت من صحة رواياتها، وكان السلف رحمهم يخرجون الرجل إذا أضاف أسماء غير صحيحة (طباق السماع) أي أسانيد رواية تلك النسخة. ولا يحق ولا يصح شرعاً نشر كتاب بذل فيه محققه جهداً - الله أعلم به- على الشبكة (الالكترونية)، أما إذا كان أحد أهل العلم يمتلك مخطوطة علمية بالحديث أو غيره وأراد أن ينشرها (بطريقة الاسكنر) محمية محفوظة من الدخيل والعابث فلا بأس به، والله اعلم.
ـ[س 8: هل هناك علاقة بين برامج الحاسب في عصرنا وبين تدوين السنة؟ من حيث هل يعد هذا نوعًا جديدًا من التدوين؟ وما هي أنسب الطرق في هذا المجال؟
وأخيرًا ما هي شروط شيخنا لنيل الإجازة منه، وهل لشيخنا بريد إلكتروني نكتب له عليه؟
وجزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم، وسامحوني للإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ]ـ
لا شك ولا ريب في قدرة ودقة جهاز الحاسوب ولابد من الاستفادة منه في حفظ السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، ولي جهد متواضع في هذا المضمار لا بأس بنشره على هذا الموقع، وهو مشاركة في (ندوة علمية) عقدتها كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة - حماها الله- بتأريخ 25/ 7/1418هـ.
أكتفي في هذه الأجوبة بذكر (ضوابط مشروع الحاسب الآلي في خدمة السنة وهي:
1 - لا بد من تحقيق النصوص المدخلة، وهذه القضية كثر الكلام عنها وأخذت حيزاً كبيراً في مناقشتها وبحثها، وذلك من خلال مناقشتي لرسالة دكتوراه عام 1407هـ، وكذا في مداولات العلماء والمتخصصين في الحديث والمبرمجين للحاسب الآلي، وذكروا أن الأمر يحتاج إلى سنوات عديدة لاختيار النص المناسب للتحقيق.
2 - وهذه المعضلة تم التغلب عليها وذلك بوجود برنامج (comparative) القادر على اجراء المقارنات بين النصوص.
3 - أو كبديل عنه يتم اختيار نسخة خطية موثقة معززة بسماعات أو منسوخة ومقابلة من أحد أعلام المحدثين الحفاظ لكل كتاب من الكتب المدخلة، وذلك للرجوع إليها والتثبت من صحة النص المحفوظ في البرنامج، ولا شك أن الكثير من المكتبات تزخر بالمخطوطات الأصول لكتب السنة النبوية.
4 - إدخال كتاب «تحفة الأشراف» الذي ضم (19626) من أسانيد الأحاديث المرفوعة، والمرسلة، وكذلك كتاب «إتحاف المهرة في أطراف الكتب العشرة» (حم، عم، ط، ش، مي، جا (جارود)، خز، عه، طح، حب، قط، كم) للحافظ ابن حجر (ت2م)، والذي قامت وزارة الأوقاف بطبعه، وصدر منه لحد الآن (19) مجلداً، ويكمل بـ (20)، والأخير هو فهارس، وبلغ مجموع الأحاديث لحد (19) (25513) حديثاً.
5 - التسجيل الصوتي للأحاديث المدخلة، وهنالك ـ والحمد لله ـ عدد كبير من المؤهلين لهذه المهمة العظيمة الأَثَرْ، ولهذا أمثلة ونماذج مشرفة لعلمائنا الأعلام.
وأذكر في هذا نموذجاً لوعي علمائنا في هذا الشأن ما فعله الإمام الحافظ المتقن شرف الدين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الهاشمي (ت701هـ): «وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء، ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مر بهم لفظ ذو إشكال بينت فيه الصواب، وضُبط على ما اقتضاه علمي بالعربية، وما افتقر إلى أبسط عبارة وإقامة دلالة أخرت أمره إلى جزء استوفى فيه الكلام، مما يحتاج إليه من نظير وشاهد ليكون الانتفاع به عامًا، والبيان تاماً إن شاء الله، وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك»، بلغت مقابلة وتصحيحاً وإسماعاً بين يدي شيخه الطائي الجيَّاني، أمدّ الله تعالى عمره، في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي، ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجَّحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصححتُ عليه، وما ذكر أنه يجُوزُ إعرابان أو ثلاثة فأعلمت ذلك على ما أقترح ورجُّحَ، وأنا أقابل بأصلِ الحافظ أبي ذر والحافظ الأصيلي، والحافظ ابن عساكر.
ومَنَّ الله علىّ بإجازات حديثية لعدد من الشيوخ، نسأل الله عزّ وجل أن يجعلنا من طلاب العلم، وخدمة سنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.