5 - وأيضا فإذا كان الكفار غير متمتعين ولا معتمرين في أشهر الحج، والنبي صلى الله عليه وسلم قصد مخالفة الكفار، كان هذا من سنن الحج، كما فعل في وقوفه بعرفة ومزدلفة؛ فإن المشركين كانوا يعجلون الإفاضة من عرفة قبل الغروب، ويؤخرون الإفاضة من جمع اسم من أسماء مزدلفة.
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 222)
إلى أن تطلع الشمس، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخر الإفاضة من عرفة إلى أن غربت الشمس، وعجل الإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس. وهذا هو السنة باتفاق المسلمين.
فهكذا ما فعله من التمتع والفسخ، إن كان قصد به مخالفة المشركين فهذا هو السنة، وإن فعله لأنه أفضل وهو سنة، فعلى كلا التقديرين يكون الفسخ أفضل، اتباعا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- والله أعلم-.
القول الثاني: أن الفسخ جائز بل مستحب. وهو قول الإمام أحمد والحسن ومجاهد وداود، وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
القول الثالث: وجوب فسخ الحج إلى عمرة لمن لم يسق الهدي. وبه قال ابن عباس رضي الله عنه، وهو قول ابن حزم ومال
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 223)
إليه ابن القيم.
والأدلة لهذين القولين هي:
1 - الأحاديث الصحيحة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من لم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمرة، وهي متواترة كما تقدم، ولم يختلف أهل العلم في صحتها.
قال الإمام أحمد في رده على سلمة بن شبيب: " عندي أحد عشر حديثا في فسخ الحج، أتركها لقولك؟ " المغني 5\ 254، ومجموع الفتاوى 26\ 54، وزاد المعاد 2\ 183 ..
وقال ابن القيم: " روى عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بفسخه الحج إلى العمرة أربعة عشر من أصحابه ". ثم ذكرهم، ثم ذكر أحاديثهم التي رووها زاد المعاد 2\ 178.، ومنها:
حديث جابر في الصحيحين- وفيه-: فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، وفيه: صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7367)، صحيح مسلم الحج (1240)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2805)، سنن أبو داود المناسك (1787)، سنن ابن ماجه المناسك (2980)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 366).لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا "، فحللنا وسمعنا وأطعنا، وفيه- أي في الحديث- سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2805).فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله، لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: " للأبد. . . الحديث تقدم تخريجه ص 213 ..
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 224)
قال ابن القيم: " وهذا اللفظ الأخير صريح في إبطال قول من قال إن ذلك كان خاصا بهم، فإنه حينئذ يكون لعامهم ذلك وحده، لا للأبد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه للأبد " زاد المعاد 2\ 179، 180 ..
2 - ما ثبت عن أبي موسى رضي الله عنه أنه أفتى الناس بالفسخ الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي، ثم زمن أبي بكر، ثم زمن عمر رضي الله عنهما انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8\ 200، 201 ..
3 - أن ابن عباس رضي الله عنه كان يأمر بالفسخ كل من لم يسق الهدي ويجعله عمرة، بل كان يرى أن كل من طاف بالبيت وسعى فقد حل، شاء أم أبى انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8\ 229، 230، وصحيح البخاري مع فتح الباري 3\ 534 ..
إلا أن أصحاب القول الثاني يحملون هذه الأدلة على الاستحباب، وأصحاب القول الثالث يحملونها على الوجوب انظر: المصادر المتقدمة ص 222، 223 ..
يقول ابن القيم رحمه الله: " ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحجج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة؛ تفاديا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا لأمره، فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه دون من
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 225)
بعدهم، بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الأبد. فما ندري ما نقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه. . . ".
مناقشة أصحاب القول الأول للقولين الثاني والثالث، والجواب عن هذه المناقشة:
1 - أن حديث سراقة بن مالك المقصود به إبطال ما كان يعتقده أهل الجاهلية من امتناع العمرة في أشهر الحج المجموع 7\ 168، وشرح النووي لمسلم 8\ 166 ..
¥