تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عرف ابن زهير كما عرف شكسبير وملتون ولامرتين وفرجيل، حتى حدثنا عن أدب الغرب وخص بالذكر منه الشعر، ناعياً عليه رموزه وغموضه.إنه لم يترك شاردة ولا واردة، وأذاع بالطبع كتباً عربية نفيسة كما أذاع المتمشرقون، وحسبه أنه نشرها سالمة من فاحش الخطأ الذي لا يدركه أولئك.

وإني لأعجب من المتمشرق كراتشكوفسكي الذي عد شدياقنا من غير البلاد العربية. فلو قرأ الشدياق كلمته تلك لنهض من قبره يحمل إحدى الأسطوانتين. وأسمعه ما أسمع من أهل زمانه. فالرجل يأبى أن ينسب إلى غير بلاده ولو أعطيته ملء الأرض ذهباً وحسبنا دليلاً على تعصبه لجبله أنه تمغرب بزيه الشرقي. وكم استغربوه ولم يبال. فليت من يشاء عملاً يذكر أن يخوض في عباب سر لياله ويحدثنا عنه، ولا بأس عليه أن قال: فيا لك من ليل تمطى بصلبه.

خُلقه وخَلقه:

من ينظر رأس أحمد فارس في صورته يخال أنه أمام جبار. عبل الشوى كحصان عنتر، ولكن من يقرأ شعره يعلم أنه أقل من مربوع. وإن تقل قد يبالغ الشاعر قلنا لك عليك بالفارياق (الساق على الساق، ص282) فتقرأ: ((قد كنت أظن أن صغر جثتك – يا فارياق – لا يكون موجباً لإنشاء تأليف كبير الحجم مثل هذا)). وبعد: فالرجال لا تباع بالذراع و لا تقاس بالأقدام ...... و الذي تراءى لي من قراءة الرجل أنه متطرف في كل شيء، متطرف في اجتهاده وجهاده، متطرف في عزمه الذي لا يكل ولا يمل، متطرف في مطالعاته، متطرف في تأملاته، متطرف في تعبيره وتفكيره، يتخطى كالمنطيقي الزنديق ولا يسقط في يده. تسوؤه أقل بادرة فيشهر حرب البسوس،وترضيه كلمة فيعفو وإذا بالماضي مضى، يخلص لأصحابه الود، ويغفر لمن أساء إليه إن استعطفه متذللاً. الغريزة الجنسية عنده ملاك الحياة، فهو لا يعنيه من هذا الوجود إلا ما تدركه الحواس. أما ما وراء الطبيعة فيرى البحث فيه تهليساً ومهارشة. حبه لعائلته يفوق الحد، وقد عبر عنه بوعظه الأمراء في فارياقه، وظهر لنا جلياً في حزنه وبكائه على ولده فائز حين قابل الدكتور لي. لا يؤمن بالوحي، ويخطئ ما لا يسلم به العقل. لو كان اليوم لضحك من أدبائنا الموسوسين الذين يفتشون عن الله و الآخرة.

جاء أحمد قبل الوقت فقاسى آلاماً وعذاباً، وقال شيئاً وترك أشياء كانت تجول في صدره. وتقف على رأس لسانه، وفي (المرآة في عكس التوراة) الذي أوصى أن لا يطبع إلا بعد وفاته. دليل على ما بقي في ذلك الدماغ.فالمحيط البيتي و البلدي وتلك النكبات المتتالية جعلت منه هذا الساخط الحانق، وهو بطبعه يجيد الكلام متى حنق، وقد أوتي قوة استطراد عجيبة، فكانت سلاحه الماضي في منازلة خصومه. قد يكون حب المجون والأحماض من طبعه، ولكن مكتبة والده التي عكف عليها صغيراً، وهي حافلة بالكتب العربية القديمة، كالكشكول و المستظرف وغيرهما، قد أنمت هذا الذوق، ثم عززه النسخ و القراءة،فجاء صارخاً عجاجاً.

بين التجديد و التقليد

الفن لفظة جوفاء يستتر وراءها كل صفيق الفكر، أما العبقري فيخلق فنه، وعلى الذرية أن تضع المقاييس، فشكسبير وراسين كانا قبل فرويد. وهكذا فعل نابغتنا العظيم، ولكنه لم يجرؤ على الطفرة، فوضع كما يقول الفلاح اللبناني:رِجلاً في البور. فرأيناه تارة يسجع، وطوراً يدع السجع هازئاً، ثم يعود إلى تلك الرجل الخشبية، وكأنه يأبى إلا أن يكون له ما كان لأهل زمانه، فكتب أربع مقامات،ولكن في أغراض غير أغراضهم، فطمست روح المعلم معالم التقاليد، ولا عجب فهو ممن يصنعون القالب على الرِجل، لا الرِجل على القالب.

وبينا نحن نقرأ ازدراءه القديم إذا بنا نراه ينهج نهجهم في عناوين كتبه (الواسطة في أحوال مالطة)((كشف المخبا عن فنون أوربا)((سر الليال في القلب والإبداع)((السند الراوي في الصرف الفرنساوي)((الباكورة السنية في نحو اللغة الإنكليزية))، وأخيراً ((غنية الطالب ومنية الراغب)) على وزن بحث المطالب، إلخ. كل هذا يدلني على أن عقلنا مهما كبر وتجرد من قيود الماضي فلا بد أن يظل عالقاً بشيء منه فلا يتفلت منه بسهولة، و الخوف من الغد يزيد هذه الأمور تمكيناً. وإذا تساءلنا:هل الشدياق عالم أو فيلسوف أو مؤرخ؟ كل شيء من هذا وليس بشيء منه،فهو لا تعنيه إلا أخلاق البشر من حيث الاجتماع فقط، واستنباطه من الواقع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير