وانتقد الفارياق اليازجي الأب فقام ابنه إبراهيم يدافع عن والده فهجاه أحمد بقوله:
عجباً لمجترئ عليّ وما له عند البراز سوى عتاد هرائه
فكأنه الظربان معتمداً على دفع الملم به بريح فسائه
لا ريب أنك لاحظت مثلي أن هجاء الفارياق يخلو من الحشو الذي يكثر في شعره، وهذا يجعلني أرى أن ظني في محله، فالرجل كان قليل التنقيح. أما الشيخ إبراهيم فاعتزل هذه الحرب معتذراً اعتذاراً نبيلاً فقال:
ليس الواقعة من شأني، فإن عرضت أعرضت عنها بوجه بالحياء ندي
إني أضن بعرضي أن يلم به غيري، فهل أتولى خرقه بيدي
لسنا ننكر علم الشيخ إبراهيم وأدبه، ولكننا نرى الأستاذ بطرس البستاني قد اشتط في كتابه النفيس ((أدباء العرب)) إذ شبه مناظرة الشدياق و اليازجي إبراهيم بمناظرة الخوارزمي و الهمذاني، فقد كان الشيخ إبراهيم يومئذ رخصاً و الشدياق قارحاً. وإننا نحمد الله على نقد الشدياق الذي خلق لنا عالماً لغوياً نفتخر بتدقيقه كالشيخ إبراهيم وإنما الظروف و الأحوال تخلق الرجال.
إلى القارئ:
لا تظنن بعد الذي قرأته أنك قرأت أحمد فارس أو عرفته، لا والله، فأحمد فارس لا يدرك جله ما لم يقرأ كله عشر مرات، فهو جديد نفيس، ولذلك هو غريب عنا.
حينما تقع في أرض الشدياق تجد الجديد طمعاً ولوناً، فهو الأديب العديد النواحي كأدباء العالم، بل يمتاز من أكثرهم بأسلوبه الذي يغريك فتقرأ غصباً عنك، إنه لا يمل حتى في (جمله السياسية) وأخباره المحلية، يقدمها لك في أجمل صحن مبهرة مفلفلة. وقد عرف الأستاذ حاله فوصفها لنا بقوله:
ما راج من قولي فخذه، وما تجد من زائف فاتركه لي ملفوفاً
لا بدّ أن تجد الصيارف مرة بين الدراهم درهماً مزيوفاً
إن المصنف لا يكون مصنفاً إلا إذا جعل الكلام صنوفاً
فما أكثر صنوف الشيخ، الشخصية كلها متجسدة فيها، ولذلك نحني الرأس إجلالاً أمام هذا العبقري قائلين: الله أكبر يا أحمد!
مارون عبود
ـ[أبو الطيب أحمد بن طراد]ــــــــ[26 - 06 - 10, 07:17 ص]ـ
معركة الشدياق الصحفية مع المعلم بطرس البستاني
((تصويب سهام التغليط على قطر المحيط)) [البستاني]
تحت هذا العنوان باشر الشدياق نقده لقاموس البستاني في
سلسلة أعداد من الجوائب اعتباراً من العدد 566 تاريخ
3/ 1/1872ص4 - 5: شبلي، ص 160 - 162:
باسمك اللهم يا قاهر البغاة ومدمر الطغاة. . . .
ثم قبل الشروع في تخطئة كلام الشيخ ناصيف وفي الردّ على ابنه ينبغي أن نعرّج على تخطئة صاحب الجنان في كتابه الذي ألّفه في اللغة العربية وسمّاه: محيط المحيط إشارة إلى أنه أربى فيه على القاموس المحيط. كما أن الشيخ ناصيف ادّعى الفضل على الحريري فجعل مقاماته ستّين، وإنما عمدنا إلى تخطئة صاحب الجنان أولاً لأنا رأيناه محبنطئاً بالكبر و العنجهية و الغطرسة و العيدهيّة و التطول و التمدّح و التبجّج و المفاخرة و المباهاة حتى كاد يفسد اللغة، ولأنه هو كان محضّاً للتحريش وسبباً في سفاهة ابن اليازجي إلا إنا لم نظفر الآن بمحيط المحيط وإنما ظفرنا بمختصره الذي سمّاه: قطر المحيط وهو كاف في إظهار جهله وفضح كبريائه، فلعله يرتدع بعد ذلك عن أن يقول (كتبنا ومصالحنا ودوائر أشغالنا)) وهذا أوان الشروع والله يخزي المتكبرين.
قال (الأب))، الكلاء أو المرعى أو ما أنبتت الأرض ج أَوُبّ بفتح ((الهمزة)) الأولى وضم الثانية وتشديد ((الباء)) فقبل الكلام على هذا الجمع ينبغي أن نضع هنا قاعدة يُرجع إليها في كل ما كان من هذا القبيل وهي: أنه إذا تفرَّد أحد بنقل حرفٍ ما من اللغة وكان غير أمين في النقل ولا صادق في الرواية ولا سيما إذا عُرف بالتحريف و التصحيف وجب عليه أن يذكر اسم من نقل عنه وإلا فيرد عليه نقله. فهذا المحبنطي ذكر جمع ((الأب)) على هذه الصيغة ولم نرَ له جمعاً في الصحاح ولا في الكليات ولا في المصباح ولا في القاموس ولا في حاشيته ولا في شرحه تاج العروس الذي جمع فأوعى.
فإن كان له جمع فقياسه على ((أبواب)) كحب و ((حبوب)) وما أحسن ما قلته هنا في سر الليال من أن الأب من معنى القصد.
¥