تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أطلَّتْ زُبيدةُ من نافذة قصْرِها في يوم من أيَّام حياتها، فإذا بها تُبصِرُ ذلك الموكبَ المهيب الذي أثار وجدانَها، وأنطق أحاسيسَها عندما رأتْ طلبةَ العِلم محلِّقين على إمامِهم ابنِ المبارك - رحمه الله - كالبدر مِن حوله النُّجوم، فذاك يُقبِّل يدَه، وذاك يُقبِّل رأسَه، يريدون أن يفدوا إمامَهم بمُهجهم، يُشفِقون عليه من لهيب الشمس، ويخافون عليه مِن وهجها، فقالت: "والله، إنَّ هذا هو المُلكُ، ليس بملك هارون".

لعلَّكم تذكرون الصورةَ الماضية لشيخِنا ابن جبرين - رحمه الله - وهو يطأ بقدميه أرضَ القويعية، إذ به بعد أن سَمَا في العِلم يطأ بقدميه ذلك البلاطَ الملكيَّ، والقصور العامرة، لَمَّا تُوفي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز - رحمه الله - أمير مكة، قدَّموا جثمانَه؛ ليُصلَّى عليه في الجامع الكبير، حضر مسؤولون كُثرٌ من الدول الإسلامية، وتنادَى أفرادُ الأسرة المالكة - مصبحين وباللَّيل- الوزراء والأمراء، الجامعُ محاطٌ بالعَسْكر، وفي ثنايا هذا الحَدثِ، ووسطَ هذا الزِّحام إذ بصاحب السموِّ الأخلاقي، والفخامة الربَّاني، يطلُّ على الناس كإطلالةِ البدر بل أحلى، كالشمس بل أجلى، فيقدِّمه الملوكُ والوزراء على ضيوف الدولة، وعلى أبنائِهم؛ ليدعوَ لفقيدهم، ولسانُ حالهم: "تقدَّم يا إمامُ، فأنتَ من خير علماء الجزيرة الذين يُرتجَى منكم الدُّعاء، وبأمثالك تعزُّ أمتُنا ويعلو مجدُها".

ابن جبرين اسمٌ بَرَق في سماء المجد، عالِم فريد، عُملةٌ نادرة، هو البحر من أيِّ النواحي أتيتَه فالجود ساحِلُه، واليم يمينه، بل تعوَّد بسطَ الكفِّ، حتى لو أنَّه أراد ثنيَها أبَتْ أناملُه، لقد عاش – والله - عظيمًا، ومات عظيمًا، فبعد أن طلبه شيخُه ابن باز ليكونَ معه في رئاسة الإفتاء بمرتبة مفتٍ، يردُّ على الهاتف، ويُجيب على الأسئلة الشفهيَّة، ويُراجِع البحوثَ قبلَ نشرِها في مجلَّة الإفتاء، فعشق حياةَ العِلم، وأدْمَن مجالسةَ العلماء، وأشاد بطلبة العِلم، وفَقَّه ودرَّس، ولو لم يكن عندَه في المجلس الذي يَعْقِده للعِلم سوى طالبَين أو أكثر، فلا يلتفتْ لكثرة الطلاَّب، ولا لجمهرة الناس.

يقول أحدُ طلاَّبه: "خرجتُ مع الشيخ بعد عصر يوم الأربعاء؛ ليلقيَ الشيخ محاضرةً تبعُد عن الرياض (مائة وخمسين كم)، فذهبنا أنا ومجموعةٌ معي، وكلِّي فرح وسرور، البهجةُ تغمرني من كلِّ جانب، وبينما نحن في الطريق كنَّا نسأل الشيخ، وشيخُنا يُجيبُ كالغيث المدرار، دون كلل أو ملل، بل لربَّما أخرج أحدُ الطلاَّب كتابًا فقرأه على الشيخ، وشيخُنا يُعلِّق ويشرح، وبعد أن وصلْنا إلى هناك أقبلوا على الشيخ كإقبال الظمآنِ على الماء، فاستمرَّ درسُه إلى العشاء، وبعدَ العشاء حضرَ الشيخُ مناسبةً، ثم عُدْنا إلى الرِّياض، وأنزلنا الشيخ في منزله الساعة الثانية، هل انتهى الأمر عند هذا فحسبُ؟ فوجئت أنَّ الشيخ بعد الفجر شَرَع في درسِه، وبقي مع طلبة العِلم حتى الساعة التاسعة!

ألم أقلْ لكم: إنَّه في الصبر معجزة؟! يفعل كلَّ هذا دونَ مقابل ماليٍّ، أو تكليف رسمي، فهكذا العظماء.

من استطاع أن يؤثر الله في كل مقام فليفعل:

الشَّجاعة ركنٌ من أركان شيخنا، همُّه الأعلى والأسمى أن يُرضيَ ربَّ الكون وكفى، يقول كلمةَ الحق، ويؤثِر ما عندَ الله، شجاعتُه أذهلتْ كلَّ الناس، لهجتُه أرهبتْ أربابَ الأقلام، الحثالة الأقزام، ذوي زِبالات الأذهان، وأصحاب نجس الأفكار، وقذر القول وخبث اللِّسان، ونتن الرُّضاب، المنتسبين إلى مدرسة الليبرالية أو العصرانيَّة، أو ما شاكلها، فإذا قال شيخنا ما قال، يتوارى أحدُهم من القوم مِن عظيم ما نَزلَ به، أينطقه على هُون أم يدسُّه في التراب، ألا ساء ما يحكمون.

إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ

مَن منَّا يجهل فتواه تلك التي أقضَّت مضاجعَ الروافض، فقد رفع هؤلاء الروافض على شيخنا دعوى: بأنَّه يدعو إلى التحريض، وإبادةِ الجِنس البشريِّ، وطالبوا بمحاكمةِ الشيخ، واستعانوا على قضيَّته ببعض المحامين من بني جلدتهم، ومن المضحِك المبكي أنَّ جلالاً الصغير - إمام حسينية براثا فارسي الأصل - متهمٌ ببعض القضايا الأخلاقيَّة التي ما زالت المحكمةُ لم تفرغْ من قضاياه، وهو يُكفِّر الشيخ، ويستبيح دمَه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير