(فلو كان يكتسب كل يوم ما يفي بزاده وسفرُهُ طويلٌ لم يكلف الحج) أي مرحلتان فأكثر أي ما يزيد عن خمس وثمانين كيلومتراً كما ذكرنا لم يكلف الحج لأنه قد ينقطع وإن كان قادراً على الكسب لأنه قد يُمْنِعُ الكسب ولا يجوز له أن يذل نفسه ويعرضها للمهانة.
(وإن قَصُرَ وهو يكسب في يوم كفاية أيام كُلِّفُ) إن كان في بلده أوكان قادماً من أرض لا يمنع أهلها من العمل في بلد الحرم وهذا عسير في ظل قوانين اليوم النافذة.
(الثاني وجود الراحلة لمن بينه وبين مكة مرحلتان) سواء قدر على المشي أم لا والراحلة هي كل مركوب يصلح للركوب وحمل المتاع وقطع المسافة
(فإن لحقه بالراحلة مشقةٌ شديدةٌ اشتُرِطَ وجود مَحْمِلٍ واشترط شريك يجلس في الشق الآخر) هذا بالقياس إلى المحمل لأنه يحتاج إلى ركوب اثنين واحد في كل جنب ليستقر المحمل ومثله اليوم مرافق يقيمة ويقعده ويرفعه إلى مركوبة وينزله منه إذا لزمه ذلك فإن لم يكن مرافق أو معين متبرع أو ببدل يملكه الحاج فلا يكلف الحجَّ.
(ومن بينه وبينها دون مرحلتين وهو قوي على المشي يلزمه الحج) فلا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا استطاع الدخول والخروج دون عوائق (فإن ضعف فكالبعيد) أي عن المشي إلى المناسك فحكمه كالبعيد في وجود الراحلة وما يتبعها من مؤن.
(ويشترط كون الزاد والراحلة فاضلين عند دينه ومؤنة من عليه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه) وسواء في الدَّين الحالُّ والمؤجل لأنه قد ينفق المال فيحل المؤجل ولا يجد ما يقضي به الدين وقد يموت قبل وفاء الدين فتبقى ذمته مشغولة بالدين وإن كان له دين على آخر فإن أمكن تحصيله وجب الحج وإن لم يمكن فهو كمن لا مال عنده. لما روى البيهقي والحاكم والدارقطني من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن تفسير السبيل في قوله تعالى: [ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً] فقال: "زاد وراحلة".
(والأصح اشتراط كونه فاضلاً عن مسكنه وعبد يحتاج إليه لخدمته) لمرض وضعف أو لمنصب (و) الأصح (أنه يلزمه صرف مال تجارته إليهما) قيل لعدم اللزوم في الحال ومقابلة لا يلزمه صرف مال تجارته إلى الزاد والراحلة إلا إذا كانت واسعة لا تتأثر حتى لا يلتحق بالمساكين خاصة وأن الحج على التراخي.
(الثالث: أمن الطريق فلو خاف على نفسه أو ماله سَبُعاً أو عدواً أو رصدياً ولا طريق سواه لم يجب الحج) والرصدي هو الذي يراقب الطريق ليأخذ من المارين مالاً فلا يجب الحج لحصول الضرر ولا فرق بين أن يكون من يخاف من أذيته واعتدائه ونهبه كافراً أو مسلماً لكن لو كانوا كافرين واطاق الخائفون مقاومتهم سُنَّ لهم أن يخرجوا للنسك ويقاتلوهم لينالوا ثواب النسك والجهاد ويكره بذل المال للرصدي لما فيه من التشجيع على التعرض للناس سواء أكان الرصدي مسلماً أو كافراً.
(والأظهر وجوب ركوب البحر إن غلبت السلامة) وهي الغالبة اليوم فإذا لم يكن طريقاً إلا البحر حساً وشرعاً وجب ركوبه للجميع فهو اليوم أكثر سلامة من غيره من الوسائل.
(وأنه يلزمه أجرة البذرقة) أي أجرة الحراسة لأنها من لوازم الطريق فكأنه أجرة دليل لمن لا يعرف الطريق فلا يجب الحج إذا احتاج إلى الحراسة إلا بوجودها ووجود الأجرة اللازمة لها (ويشترط وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل وهو القدر اللائق في ذلك الزمان والمكان) فإن كان لا يوجد بها لرحيل أهلها عنها أو لانقطاع أو كان يوجد لكنه بأكثر من ثمن المثل عادة فلا يجب الحج ويغتفر الفرق اليسير.
(وعلف الدابة في كل مرحلة) ومثله وقود المركبات وسهولة مرورها لأن حمل الوقود يعسر ويشق ويضايق.
(وفي المرأة أن يخرج معها زوج أو محرم) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (أو نسوة ثقات) لأن سفرها وحدها حرام وإن كنت في قافلة لخوف استمالتها وخديعتها لما روى الشيخان عن ابن عباس "لا تسافر إمرأة إلا مع محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" ولا يكون هذا المحرم صبياً ولا مجنوناً بل مكلفاً فيشترط في وجوب الحج عليها قدرتها على أجرته إن لزم وأبى إلا بأجرة.
(والأصح أنه لا يشترط وجود محرم لإحداهن) لأن الأطماع تنقطع بجماعتهن والثاني يشترط لسهولة التخاطب والإعانة إذا لزم شيء من ذلك (و) الأصح (أنه يلزمها أجرة المحرم إذا لم يخرج إلا بها) لأنه من جملة الأهبة اللازمة لها.
¥