تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المعدن وهو نوعان ظاهر وباطن فالمعدن الظاهر وهو ما يخرج بلا علاج أي بلا عمل وإنما العمل والسعي في تحصيله كنفطٍ وكبريتٍ وقارٍ وهو الزِّفت ومومياء وهو شيء يلقيه البحر إلى الساحل فيجمد ويصير كالقار، وقيل: ومنه العنبر أيضاً لأن موج البحر يقذفه إلى البر وبِرَامٍ وهو حجر تعمل منه القدور وأحجار رحى وملحٍ وياقوتٍ وكُحْلٍ وكل ما يلقيه البحر لا يُمْلَكُ بالإحياء ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاعٍ من سلطانٍ وغيره بل هو مشترك بين المسلمين وغيره كالماء والكلأ لما روى أصحاب السنن الأربعة والشافعي عن ابن عيينة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع أبيض بن حمال المازني ملح مأرب فقال رجل: يا رسول الله إنه كالماء العِدِّ - أي العذب- لا انقطاع لمنبعه، فقال: فلا إذاً)، وللإجماع على منع إقطاع مشارع الماء وهذا مثلها بجامع الحاجة العامة ويمنع أيضاً إقطاع وتحجر أرضٍ لأخذ حطبها أو صيدها وَبِرْكَةٍ لأخذ سمكها لما روى ابن ماجة وغيره عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار)) وللحديث طرق فروى ابن ماجة من حديث أبي هريرة بسند صحيح (ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار)، وروى أبوداود من حديث بهيسة عن أبيها (أنه قال: يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، ثم عاد فقال: الملح). فإن ضاق نيله أي الحاصل منه عن اثنين مثلاً جاءا إليه قُدِّم السابق إليه بقدر حاجته منه لسبقه ويرجع في الحاجة إلى العادة في أمثاله وقيل: إن أخذ لغرض دفع فقر أو مسكنةٍ مكن من أخذ كفاية سنة أو العمر الغالب فإن طلب زيادةً على حاجته فالأصح إزعاجه إن زاحمه آخرون لأن عكوفه منفرداً كالتحجر وهو ممنوع فيما ذكرنا لشدة حاجة الناس إلى المعادن خلافاً لما ذكر في مقاعد الأسواق أما إذا لم يضر الغير ولم يزاحمه أحد فلا يزعج فلو جاءا معاً وجهل السابق منهما أقرع بينهما وإن كان أحدهما غنياً في الأصح إذ لا مرجِّح وإن وسعهما اجتمعا وليس لأحدهما أن يأخذ أكثر من الآخر إلا برضاه والمعدن الباطن وهو ما لا يخرج إلا بعلاجٍ كذهبٍ وفضةٍ وحديدٍ ونحاسٍ ورصاصٍ وعقيقٍ وياقوتٍ وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض لا يملك بالحفر والعمل في الأظهر وفرقه عن الأول أن الموات يملك بالعمارة بينما الحفر لإخراج المعادن تخريبٌ كما أن إخراج المعادن من باطن الأرض يحتاج إلى عمل مستمر والنيل في طبقات الأرض مبثوثٌ ولا يمكن اختصاص واحدٍ به لأن في ذلك تعطيل للاستخراج والنيل كما أن فيه تضييق على الناس الراغبين في الحفر وامتلاك المعادن ومن أحيا مواتاً فظهر به معدن باطن لم يعلم به ملكه لأنه من أجزاء الأرض التي ملكها بالإحياء والمياه المباحة في الأودية كالنيل والفرات والدجلة والعيون في الجبال وسيول الأمطار يستوي الناس فيها للخبر السابق (الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار)، فلا يجوز لأحد تحجرها ولا للإمام إقطاعها إجماعاً فيأخذ كلُّ واحد من الناس ما يشاء منها فإن أراد قوم سقي أراضيهم من ماءٍ مباحٍ فضاقَ سَقَى الأعلى لأن الماء ما لم يجاوز أرضه فهو أحق به ما دامت له به حاجة فالأعلى أي الأقرب للنهر فالأقرب وإن هلك زرع الأسفل قبل انتهاء النوبة إليه أما إذا اتسع فيسقي كل متى شاء.

وحبس كل واحدٍ منهم الماء حتى يبلغ الكعبين لما روى ابن ماجة وأبوداود عن عمر ابن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السيل يمسك حتى يبلغ إلى الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل)، وروى الشيخان وغيرهما عن الزبير (أنه صلى الله عليه وسلم قال له حين خاصمه الأنصاري في شراج الحَرَّة أي مسيل الماء التي يسقون بها النخل: (اسقِ يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك)). فإن كان في الأرض ارتفاع وانخفاض أفرد كل طرف بسقي لئلا يزيد الماء في المنخفضة على الكعبين لو سقيا معاً فيسقي إحداهما حتى يبلغ الكعبين ثم يسد عنها ويرسله إلى الأخرى وما أخذ من هذا الماء في أناء ملك على الصحيح بل حكى ابن المنذر فيه الإجماع وكأخذه في إناء سوقه لنحو بركة أو حوضٍ له مملوك قد سُدَّت حوافّه عن المباح ومثله ما أخذ في كيزان دولابه وهي الآنية المعلقة في دولابه لرفع الماء وحافر بئر بموات للارتفاق أي للانتفاع دون التملك لشربه وغسله وشرب دوابه أولى بمائها حتى يرتحل أي ينتفع به لنفسه وماشيته لحديث (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقُّ به) رواه أبوداود عن أسمر بن مضرّس. فإذا ارتحل صار البئر لعامة الناس كالموقوفة عليهم والمحفورة للتملك في موات أوفي ملكٍ يَمْلِكُ الحافر ماءَها في الأصح لأنه نماء ملكه كالثمرة واللبن والشجر النابت في ملكه وسواءٌ ملكه على الصحيح أم لا على مقابله بأن الماء لا يملك لحديث (الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار) لا يلزمه بذل ما فضل عن حاجته لزرع وغرس وتجب لماشية إذا لم يجد صاحبُها ماءاً مباحاً على الصحيح لحرمة الروح فالماشية محترمة وكذلك يجب بذله لكل روحٍ محترمةٍ كآدميٍّ وجَوَّزَ ابن عبد السلام الشرب للإنسان وسقي الدواب من جدول مملوك لم يَضُرَّ بمالكه إقَامةً للإذن العُرْفي مقام الإذن اللفظي. روى الشيخان عنأبي هريرة (لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ)، وفي رواية مالك والترمذي (من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة). والقناة المشتركة يقسم ماؤها بنصب خشبة في عرض النهر والخشبة مستوية الطرفين وموضوعه بمستوٍ من الأرض فيها ثقبٌ متساويةٌ أي ثقبٌ متساوية المساحة أو متفاوتة على قدر الحصص ويجوز أن تكون جميع الثقب أي الفتحات متساوية مع تفاوت الحصص على أن يأخذ صاحب الربع ثقبةً والآخر ثلاث ثقبٍ ويسوق كل واحد نصيبه إلى أرضه ولهم القسمة مهايأةُ كأن يسقي كلُّ واحد منهم يوماً أو بعضهم يوماً وبعضهم أكثر من ذلك على حسب حصصهم ولكلٍ منهم الرجوع عن المهايأة متى شاء وانتهت النوبات وليس لأحدٍ منهم التصرف بالقناة بنحو حفرٍ أو غرسٍ أو بناءٍ بجانبها إلا بإذن باقيهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير