إن كان الوقف للاستغلال لم يتصرف فيه إلا الناظر أو لينتفع به الموقوف عليه أطلق الواقف أو قال ينتفع به كيف شاء فله استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره ثم إن شرط الواقف النظر لنفسه أو غيره اتُبعَ شَرْطُهُ وإلا أي إذا لم يشرطه لأحد فالنظر للقاضي على المذهب إن كان لجهة عامة والمقصود بالقاضي قاضي بلد الوقف وكذا للقاضي النظر إن كان الوقف على معين فينظر القاضي بحفظه وإجارته وقسمة غلته إن كان الوقف على جماعة. وشرط الناظر العدالة لأن النظر ولاية
والكفاية وهي القدرة على التصرف فيما هو ناظر فيه والاهتداء إلى التصرف النافع ووظيفته العَمَارَةُ والإجارة وتحصيل الغلة وقسمتها على مستحقيها فإن فوض إليه بعض هذه الأمور لم يتعده اتباعاً للشرط كالوكيل ولو شرط الواقف للناظر شيئاً من الريع جاز ذلك.
وللواقف عزل من ولاه للنظر ونصب غيره إن كان له حق النظر كما يعزل الوكيل أما غير ناظر الوقف من أرباب الوظائف والمدرس والإمام والطلبة فليس للواقف ولا للناظر ولا للإمام الأعظم عزلهم بغير سبب ولا ينفذ عزلهم ويفسّق عازلهم ويطالب بسببه إلا إن علمت صيانته وديانته وأمانته وعلمه [قليوبي ج3 صفحة110].
إلا أن يشرط نظره حال الوقف فليس له عزله كما لو وقف على أولاده الفقراء فليس له استبدالهم بالأغنياء وإن رأى في تبديله مصلحة ذكره ابن الصلاح في فتواه. وإذا أجر الناظر مدة بأجرة معينة فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد في الأصح لأنه حين جرى كان العقد بالغبطة فأشبه ارتفاع القيمة بعد البيع في مال المحجور عليه فإن ثبت أنها كانت دون الأجرة عند العقد تبين بطلان الإجارة ووجب الفسخ.
مسائل:
1) لو وقف على ثغر من ثغور المسلمين فاتسعت ديار الإسلام حوله تُحْفَظُ غلة الوقف لاحتمال عوده ثغراً بانحسار ديار الإسلام وتغلب العدو عليهم.
2) لو وقف على صيانة مدرسة أو رباط في بلد فخربت البلد وانتقلت المدرسة جاز نقل الوقف إلى المدرسة الجديدة.
3) وقف على عمارة مسجد فجاز الصرف منها على التطيين وإصلاح المنكسر ولا يجوز صرف شيء من الغلة على النقش والتزويق لأنها ليست من مصالح المسجد.
4) إذا جعل بقعة معينة مسجداً فكان فيها شجر جاز للإمام قلعها باجتهاده وبذلك ينقطع حق الواقف بالشجرة.
5) إذا غرس في المسجد شجرة وقصد منافعها للمسجد لم يجز أكل ثمرها بلا عوض وإن غرسها مُسْبَلة جاز أكلها بلا عوض وكذلك إن جهلت نيته لأن الأصل الإسبال.
6) أفتى الغزالي بأنه يجوز وقف الستور لتستر به أبواب المسجد ونوافذه وكواته.
7) إذا وقف على الإسراج في المسجد والإضاءة لم يسرج جميع الليل إلا إذا انتفع بالإسراج مَنْ في المسجد من مُصَلٍّ أو نائم أو خارج لدعوة فإن كان المسجد مغلقاً ليس فيه أحد ولا يمكن دخوله لم يسرج لأنه إضاعة مال.
8) نفقة الموقوف ومؤن تجهيزه وعمارته من حيث شرطها الواقف من ماله أو من مال الوقف وإلا فمن منافع الموقوف كثمر الأشجار وغلة العقار فإذا تعطلت المنافع فالنفقة ومؤن التجهيز من بيت المال.
9) إذا جهل شرط الواقف قسمت الغلة بين الموقوف عليهم بالسويّةِ.
? كتاب الهبة ?
والهبة تطلق على الهدية والصدقة والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) النساء4. وقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا) الإنسان8. وأخبار منها:
1) خبر الترمذي عن أبي هريرة (تهادوا فإن الهدية تذهب وحَرَ الصدور). أي عيظة.
2) خبر البخاري وغيره عن أبي هريرة (تهادوا تحابوا).
3) خبر الطبراني وغيره عن عائشة (تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أبنائكم مجداً وأقيلوا الكرام عثراتهم).
4) خبر البخاري عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت)). وفي لفظ الترمذي عن أنس (لو أهدي إليّ كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت). صححه الترمذي.
التمليك بلا عوض هبة في حال حياته وخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف فإن ملّك محتاجاً لثواب الآخرة أي طالباً ثواب الآخرة فصدقةٌ فإن نقله بنفسه أو بغيره إلى مكان الموهوب له إكراماً فهدية فكل من الصدقة والهدية هبة ولا عكس فليس كل هبة صدقة أو هدية فلو حلف لا يهدي لم يحنث بصدقة وهبة.
¥