تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وشرط الهبة ويقصد به الركن وأركان الهبة أربعة: واهب وموهوب وموهوب له وصيغة

إيجاب وقبول لفظاً نحو وهبت لك فيقول الموهوب له قبلت ولا يشترطان في الهدية على الصحيح بل يكفي البعث من هذا ويكون كالإيجاب والقبضُ من ذاك ويكون كالقبول وهذا تصرف الصحابة فيما بينهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين عن عائشة (أن الصحابة كانوا يتحرون في هداياهم يوم عائشة). ولم ينقل إيجاب وقبول فقد كان الملوك يهدون إلى رسول الله صلى الله وسلم فقد روى الترمذي عن علي (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إليه كسرى هدية فقبلها وإن الملوك أهدوا إليه فقبل منهم). ولو قال الواهب بدل وهبتك أعمرتك هذه الدار أي جعلتها لك طول عمرك فإذا مُتَّ فهي لورثتك فهي هبة إن عُرِفَ معنى اللفظ فتلزم بالقبض وتكون لورثته من بعده ولا تعود للواهب فقد أخرج مسلم في كتاب الهبات عن جابر (أيما رجل أعمرَ عُمْرَى له ولعقبه فإنها للذي أُعطيها) لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث.

ولو اقتصر على أعمرتك هذه الدار فكذا أي هي هبة في الجديد لخبر الصحيحين عن جابر العُرْي ميراث لأهلها وفي القديم تبطل الهبة كقوله أعمرتك سنة لوجود التأقيت ولو قال بعد قوله أعمرتك كذا فإذا مُتَّ عادت إليَّ فكذا أي هي هبة ويلغو الشرط. قال البُلْقيني: وليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه إلا هذا العقد.

ولو قال أرقبتك أو جعلتها لك رُقْبَى وهو من الرقوب لأن كل واحد يرقب موت صاحبه واقتصر على اللفظ أو ضمَّ إليها ما يفسرها فقال أي إذا مُتَّ عادت إليَّ وإذا مُتُّ قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين السابقين في قوله أعمرتك الجديد والقديم فالجديد يصح هبته ويلغو الشرط والقديم يبطل عقد الهبة.

وما جاز بيعه جاز هبته وما لا يجوز بيعه كمجهول ومغصوب وضال وآبق فلا يجوز هبته إلا حبتي حنطة ونحوهما فإنها لا يجوز بيعها لخسة ذلك وتجوز هبتها ويستثنى أيضاً لحم الأضحية ولبنها وصوفها فإنه تجوز هبته ولا يجوز بيعه.

وهبة الدين للمدين إبراء فلا تحتاج إلى قبول نظراً إلى معنى الهبة هنا وهبة الدين الذي على زيد لغيره باطلة في الأصح لأن بيع الدين لمن ليس عليه باطل ولا يُمْلَكُ موهوب إلا بقبضٍ بإذن الواهب كقبض كالمبيع ولا يكفي رؤيته أو وضعه بين يديه فقد روى مالك في الموطأ عن عائشة والبيهقي عن القاسم بن محمد (أن أبا بكر نحل عائشة جذاذ عشرين وسقاً فلما مرض قال: وددت أنك حزتيه أو قبضته وإنما هو اليوم مال الوارث).

وروى الحاكم عن أمَّ سلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكاً ثم قال لأمِّ سلمة: (إني لأرى النجاشي قد مات ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد فإذا ردّت إليَّ فهي لك)، فكان كذلك).

فلو مات أحدهما بين الهبة والقبض قام وارثُه مقامه فيتخير وارث الموهوب في الإقباض ويقبض وارث الموهوب إن أقبضه الواهب. وقيل ينفسخ العقد لأنه عقد جائز كالوكالة والشركة غير أن الهبة آيلة إلى اللزوم. ويسن للوالد العدل في عطية أولاده بأن يسوّي بين الذكر والأنثى وقيل كقسمة الإرث فإن لم يعدل فقد فعل مكروهاً ما لم تكن مزية لأحدهم كعلم وفضل وحاجة بل يندب حرمان فاسق وعاقٍ عقوبة له وللأب الرجوع في هبة ولده وكذا لسائر الأصول أي وكذلك الأم والجدات والأجداد من جهة الأب أو من جهة الأم لخبر الترمذي عن ابن عباس (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) على المشهور وقيل الرجوع للأب فقط وشرط رجوعه أي الأب وغيره إن جوزناه بقاء الموهوب في سلطنة المتهب فيمتنع الرجوع ببيعه ووقفه وكذلك كتابته وإيلاده لا برهنه وهبته قبل القبض لبقاء سلطنته وبقاء العين بخلاف بعد القبض من قبل المرتهن والمتهب لزوال السلطة عنه ولا يمنع الرجوع تعليق عتقه أي الرقيق ولا تدبيره ولا تزويجها أي الجارية ولا زراعتها أي الأرض فكل ذلك لا يمنع الرجوع لبقاء سلطنة الولد عليها.

وكذا الإجارة على المذهب لا تمنع الرجوع لأن العين باقية ومورد الإجارة المنفعة ولو زال ملكه أي الموهوب وعاد إليه لم يرجع الأصل الواهب في الأصح لأن الملك الآن جاء من طريق آخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير