نظلم الشعر و نجور على البلاغة إذا عددنا هذا البيت من الشعر الحسن.
وأنا أوافق أخي طاوي ثلاث على أن البيت معقد في تشبيه وتوريته ولا يتضح معناه إلا بعد معاناة فكرية مرهقة
وأين يقع هذا البيت المسكين من أبيات بلغة قمة الإبداع الشعري في هذا الموشح الرائع الذي سجل اسمه في أروع صفحات الإبداع الأندلسي
جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما ... في الكرى أو خلسة المختلس
إذ يقود الدهر أشتات المنى ... ينقل الخطو على ما يرسم
زمراً بين فرادى وثنا ... مثلما يدعو الوفود الموسم
والحيا قد جلّل الروض سنا ... فثغور الزهر منه تبسم
وروى النعمان عن ماء السما ... كيف يروي مالك عن أنس
فكساه الحسن ثوباً معلما ... يزدهي منه بأبهى ملبس
في ليال كتمت سرّ الهوى ... بالدجى لولا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيها وهوى ... مستقيم السير سعد الأثر
وطر ما فيه من عيب سوى ... أنّه مّر كلمح البصر
حين لّذ الأنس شيئا أو كما ... هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا أو ربما ... أثرت فينا عيون النرجس
أي شيءٍ لامرىء قد خلصا ... فيكون الروض قد مكّن فيه
تنهب الأزهار منه الفرصا ... أمنت من مكره ما تتقيه
فإذا الماء تناجى والحصى ... وخلا كّل خليل بأخيه
تبصر الورد غيوراً برما ... يكتسي من غيظه ما يكتسي
وترى الآس لبيباً فهما ... يسرق السّمع بأذني فرس
يا أهيل الحيّ من وادي الغضا ... وبقلبي سكن أنتم به
ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا ... لا أبالي شرقه من غربه
فأعيدوا عهد أنس قد مضى ... تعتقوا عانيكم من كربه
واتقوا الله وأحيوا مغرما ... يتلاشى نفساً في نفس
حبس القلب عليكم كرما ... أفترضون عفاء الحبس
وبقلبي منكم مقترب ... بأحاديث المنى وهو بعيد
قمر أطلع منه المغرب ... شقوة المغرى به وهو سعيد
قد تساوى محسن أو مذنب ... في هواه بين وعد ووعيد
ساحر المقلة معسول اللمى ... جال في النفس مجال النفس
سدّد السهم وسمىّ ورمى ... ففؤادي نهبة المفترس
إن يكن جار وخاب الأمل ... وفؤاد الصبّ بالشوق يذوب
فهو للنفس حبيب أول ... ليس في الحبّ لمحبوب ذنوب
أمره معتمل ممتثل ... في ضلوع قد براها وقلوب
حكّم اللّحظ بها فاحتكما ... لم يراقب في ضعاف الأنفس
منصف المظلوم ممّن ظلما ... ومجازي البّر منها والمسي
ما لقلبي كلمّا هبت صبا ... عاده عيد من الشوق جديد
كان في اللوح له مكتتبا ... قوله: " إن عذابي لشديد "
جلب الهمّ له والوصبا ... فهو للأشجان في جهد جهيد
لاعج في أضلعي قد أضرما ... فهي نار في هشيم اليبس
لم يدع في مهجتي إلا ذما ... كبقاء الصبح بعد الغلس
سلّمي يا نفس في حكم القضا ... واعمري الوقت برجعى ومتاب
دعك من ذكرى زمان قد مضى ... بين عتبى قد تقضّت وعتاب
واصرفي القول إلى المولى الرضى ... ملهم التوفيق في أمّ الكتاب
الكريم المنتهى والمنتمى ... أسد السرج وبدر المجلس
ينزل النصر عليه مثلما ... ينزل الوحي بروح القدس
مصطفى الله سمىّ المصطفى ... الغني باللّه عن كلّ أحد
من إذا ما عقد العهد وفى ... وإذا مافتح الخطب عقد
من بني قيس بن سعدٍ وكفى ... حيث بيت النصر مرفوع العمد
حيث بيت النصر محمي الحمى ... وجنى الفضل زكي المغرس
والهوى ظل ظليل خيّما ... والندى هبّ إلى المغترس
هاكها يا سبط أنصار العلا ... والذي إن عثر الدهر أقال
غادة ألبسها الحسن ملا ... تبهر العين جلاء وصقال
عارضت لفظا ومعنى وحلى ... قول من أنطقه الحبّ فقال:
" هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صبّ حلّه عن مكنس "
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 11:54 ص]ـ
السلام عليكم
بالنسبة للبيت فيه توريات "روى" و"النعمان" "ماء السما"
أيضا فيه التشبيه الذي أثار الجدل
بالإضافة إلى الجناس بين روى ويروي
احتج الأخ طاوي ثلاث على المشابهة مع رواية مالك عن أبيه هي رواية معنوية
بينما المشبه حسي أو أشبه بالحسي
هذا إذا اعتبرنا أن هناك تشبيه أصلا
والراجح أن التشبيه غير مباشر
فقد تناقشنا في قسم النحو حول "كيف في البيت" وما موقعها
وانقسم الجمع فريقين من يرى أنها استفهامية خرج الاستفهام إلى معنى التعجب فأوحى المشابهة
أي أنه يتعجب من مطابقة حال الصورة الأولى "النعمان وماء السما"
مع الصورة الثانية " مالك عن أبيه"
والرأي الآخر رأى أن كيف هنا جاءت شرطية حذف جوابها لدلالة ماقبله
وهذا الراجح عندي
أما بالنسبة لغرابة التشبيه ألا يمكن أن نقول أن لموسوعية الشاعر وثقافته أثر في ذلك؟
كما إن الأندلسيين قد أكثروا من هذه الصور الغريبة.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 01:27 م]ـ
تغلب الركاكة على معظم الأبيات التي يحشد بها ناظمها صوراً وتشبيهات متتوالية، وهذا قد يكون عاماً في أغلب من ولج هذا الباب،ورغم ذلك لايخلوالأمر من طرافة وبراعة وفي كثير من الأحيان من غرابة، وذلك لاستحضاره معان وربطها بشكل موزون.
مثل بيت شاعرنا هذا.
¥