تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:

القصة بعنوان:

ذكرى

في حضن والدي عشت سعيدة ... أحببت هذه الحياة .. طفولتي كانت مرحة .. أيامي كانت سعيدة .. لقيت منها الحب والعطف والحنان .. فأنا ثمرة صبرهما وانتظارهما فترة طويلة ولم يرزقها غيري .. أغدق علي والدي جم حبه .. حتى أحببته أكثر من أمي .. كنت أنتظره بفارغ الصبر حتى يعود من عمله .. أقف أمام الباب أحس الدفء والحبور بلقائه .. إن غاب حزنت وتألمت لغيابه ..

أبي كان إنسانًا كريمًا .. محافظاً على طاعة ربه .. لقد غرس في نفسي حب الخير وحب الله ورسوله .. كان شديد الحرص على أن أراه يفعل الخير .. وأسمع منه عبارات الشكر والثناء لله سبحانه وتعالى .. كم شجعني على الأعمال الصالحة وأنا في سن مبكرة .. أراه كثير الصلاة .. كثير الصيام .. كثير الذكر له .. صوته عذب شجي مؤثر في القرآن الكريم .. بل كان يبكي .. وحين أراه هكذا ينتابني الخوف .. فأهرب إلى أمي مسرعة وجلة ... أسألها وبكل براءة: لم يبكي والدي؟ من الذي أغضبه؟ فتجيبني أمي بأن أباك يخاف الله .. ويخاف عقابه وناره .. لذا فهو يبكي من خشية الله .. ارتاحت بعدها نفسي .. واطمأن قلبي .. لم أنس دعوات والدي لي: (اللهم فقهها في الدين وعلمها التأويل). كان يسعده أن أكون داعية إلى الله .. عالمة بأمور ديني .. حافظة كتاب الله .. ما أكثر القصص التي كان يحدثني بها عن الرسول، وعن الأنبياء ... والصحابة ...

سافر والدي ذات يوم .. وكان الفراغ قاسياً وأقسى منه غياب أب ... استأذنت أمي لأذهب لمكتبة التسجيلات التي بجوار منزلنا لأشتري شريط قرآن لأنه أشار علي بحفظ سورة كريمة لها فضل عظيم .. عدت إلى البيت مسرورة فقد حصلت على الشريط، إنه للشيخ عبد الله خياط .. بحماس شديد استمعت إلى الآيات .. حاولت حفظها ومع التكرار وبمساعدة أمي الحبيبة .. حفظت الآيات .. عاد والدي من السفر ومعه نفائس الكتب والجديد من الأشرطة والقيم من الهدايا ...

لم أمهله حتى يستريح من السفر .. زففت إليه بشرى حفظي لتلك السورة .. إنها سورة الملك .. طلب مني أن أتلوها عليه .. قرأتها عليه .. رأيته خاشعًا منصتًا .. وعندما وصلت عند قوله تعالى: ?كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ? سقطت دمعات من مقلتيه.

حاول إخفاءها ولم يستطع .. تأثرت ببكائه فبكيت .. آه ما أروعها من أيام .. ولحظات لا تنسى؛ لقد علمني والدي الكثير والكثير من الأخلاق والآداب الإسلامية .. علمني كيف أعمل بإحسان، وكيف أن الله يراقبني ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته بل ويعفو ويصفح .. كان دائمًا يقول لي أن الدنيا فانية .. وأن زينتها وبهجتها زائلة .. نشأت في بيت يشع بنور الإيمان أسرة محافظة شعارها الكتاب والسنة .. سارت الأيام عجلى .. دخلت المدرسة .. أخذت انهل من معين العلم الصافي .. أحبني الجميع ... معلماتي .. زميلاتي .. أقاربي .. سلسلة من النجاح والتفوق .. وحقًا الدنيا لا تصفو لأحد .. إنها دار الابتلاء والمحن والمنغصات ..

ذات يوم .. وكان يوم الجمعة يومًا مشهودًا .. كان والدي إمام المصلين وخطيبهم .. انتهى من خطبته وشرع في الصلاة .. سجد سجدة وكانت الأخيرة لم يقم بعدها .. اهتزت أركان المسجد حزنًا على من أحب الله ورسوله .. بكت من كان داعية إلى الله بلسانه وقلمه ونفسه .. فجع المصلون بوفاة هذا الرجل الصالح الذي لا أزكيه على الله والله حسيبه ..

كانت الصدمة قوية عليَّ وعلى والدتي .. لقد رحل الحبيب ..

فارق هذه الحياة .. رحمه الله وغفر له .. تذكرت في تلك اللحظات حَثَّه لي على الصبر والاحتساب .. حضر الكثير لتعزيتنا في الفقيد الغالي .. تقبل خالي العزاء من الرجال؛ أما أنا فتقبلت العزاء من النساء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير