وعندما رأيت كثرة النساء وتجمُّعَهن تذكرت والدي وهو يخطب بالناس ويدعوهم إلى الله .. تذكرته وهو واقف على المنبر .. كان كلامه مؤثرًا ينفذ إلى القلوب فيؤثر فيها .. استجمعت قواي واستعنت بالله .. وتحدثت أمامهن عن نهاية كل إنسان وعن موته وحياته .. عن نعيم الجنة وعذاب النار .. بعدها أخذت أتلو آيات من القرآن حتى بكين تأثرًا .. هذه أول مرة ألقي فيها كلمة أمام مثل هذا الجمع .. عاد بعدها المعزون إلى بيوتهم وبقيت أنا وأمي وخالي .. معنا عدة شهور .. وذات يوم مررت من الغرفة التي يوجد بها أمي وخالي .. سمعت ودون قصد .. الحوار الذي دار بينهما.
فكري يا أختي .. فما زلت في عز شبابك ... وقد ترزقين منه ...
يتبع ... من موقع صيد الفوائد.
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[28 - 03 - 2010, 10:14 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
تابع قصة ذكرى
وقد ترزقين منه الذرية الصالحة ... ومن الصعب أن تمكثي أنت وابنتك هنا بمفردكما .. وهو رجل صالح فيه خير كثير ..
يا أخي عش معنا ... لا أريد زوجًا ... لا أريد بيتًا غير هذا لن يخرجك أحد من بيتك .. فعندما تتزوجين سيسكن معك أنت وابنتك هنا في هذا البيت.
لحظتها بكت أمي بحرقة .. تذكرت الماضي السعيد والحاضر المجهول .. إنها ترفض هذه الفكرة من أساسها فجرحها في فقدان أبي مازال طريًا ينزف.
أخذ خالي يلح عليها وأمي ترفض؛ مما أدى إلى غضبه فتركنا وسافر ... مرت الأيام وكأنها سنين .. خيم علينا شبح الخوف والحزن والوحدة ..
ذات يوم وأنا عائدة من المدرسة .. إذ بأشخاص عند أمي .. إنهم أخوالي .. جاؤوا ليضغطوا على أمي ويرغموها على الزواج .. وفعلاً حدث كل ما توقعته .. وافقت مرغمة لكنها استمهلتهم كي تستعد .. كنت أبكي بحرقة أصبر نفسي وأواسيها .. أتجرع الغصص والآلام ولا أظهر لها ذلك .. لا أريد أن أحزنها .. ولا أريد أن أكون أنانية ..
أتساءل: من هذا الذي سيحل مكان والدي الحبيب؟ ..
بعد لقاء أمي بأهلها ولشدة ما عانت منهم مرضت .. استدعيت لها الطبيبة .. أشارت عليَّ أن أهتم بها وبغذائها وأن تأخذ الدواء في مواعيده .. وطلبت مني أمرًا غريبًا .. فهي تعرف حالنا وظروفنا التي نمر بها .. طلبت مني أن تبتعد أمي عن غرفتها فإن رفضت فيلزمني أن أغير ما بها أو أن تغير الغرفة .. وافقت الوالدة على أن تنتقل إلى غرفتي وحملت لها ما تحتاج إليه .. وفي زاوية من غرفتها وجدت شريطًا قديمًا لا أعلم ما به وما يحويه .. ولكن شكله قديم أثار فضولي .. قمت بتشغيله .. لقد فوجئت بما يحتويه الشريط .. إنه عبارة عن نصائح وكلمات من والدي ..
يقولها لزهرة حياته وفلذة كبده وشمس يومه وربيع عمره ابنته .. إنه يوصيني .. كان عمري آنذاك سبع سنوات حسبما فهمت من والدي .. وبعد نقاش تلا آيات من الذكر الحكيم ثم أنشودة للصغار أنشدتُها لأمي ولأبي الذي (أحبه وأشتاق إليه وأسأل الله أن يجمعني به في مستقر رحمته) .. لست أدري ما الذي جعلني أرفع صوت والدي وهو يتلو آيات الله .. أخذت أجهش بالبكاء وأنا أستمع إليه .. إنه صوت الحق يعلو .. يملأ أرجاء المنزل .. كانت أمي تسترق السمع .. لقد نهضت من سريرها وهي متعبة .. مرهقة .. وصلت إليَّ وهي باكية .. صرخت .. ابنتي! لن أتزوج غير أبيك .. نعم لن أتزوج غيره .. مهما كانت النتيجة ..
دخلت الجامعة .. كلية الشريعة .. نجحت وبتفوق بفضل من الله .. دائمًا كنت أتذكر دعاء أبي لي: (اللهم فقهها في الدين).
عاد أخوالي مرة أخرى إلينا ليُرْجِعوا لها الموضوع الأول: تزوجي؛ الرجل صالح .. وهو يريدك .. لن تجدي أفضل منه .. تزوجي فالناس يتكلمون .. ابنتك سوف تتركك وحيدة بعد أن تتزوج .. ألقوا إليها بآخر وسيلة لديهم .. سنغضب عليك ونقاطعك إذا لم توافقي عليه .. أخيرًا أذعنت أمي لكلام إخوانها ..
وأخيرًا جاء الزوج الذي كان يلبس ثوب الصلاح والكرم والجود وهو على خلاف ذلك .. حقيقة أقولها .. لا أدري كيف خدع به الجميع؟ .. كيف يكون هذا الإنسان بديلاً عن والدي؟ .. كيف سيحل محله؟ .. لقد شربت أنا وأمي من إناء واحد حلو المذاق .. إنه حب وشهامة ووفاء والدي .. وها نحن ذا نتجرع كأس البؤس .. كأس يبتلي عباده .. فإما صبر وشكر وإما جحود وتراض .. ونحن والحمد لله رضينا بقضاء الله وقدره.
¥