زوج والدتي كان قاسيًا في أوامره .. جارحًا في كلامه .. مؤذيًا في أعماله .. عصبيًا في تصرفاته .. يسمع الأغاني .. يخرج للسفر إلى الخارج .. لقد طغى وتكبر ..
إننا نتأمل الخير والفرج مع إشراقة شمس كل يوم .. ندعو الله أن يصلح باله وينير بصيرته للحق .. ويهدي قلبه ..
أمي حائرة لا تدري ماذا تفعل .. أصبرها وأصبر نفسي .. أذكرها بأن الدنيا فانية .. وأنا راحلون عنها .. وفي ليلة لا تنسى .. سهر زوج أمي أمام ما يسمي بالدش .. ذلك الفساد والدمار (بعد أن أدخله بيتنا) .. رافعًا صوته .. ذلك الصوت الصاخب المزعج .. بمناظر مخزية فاضحة .. حاولت أن أسد أذني .. لم أستطع .. أخذت أستمع لصوت ذلك القارئ الشيخ عبد الله خياط أسترجع تلك الأيام الرائعة في ظل والدي يرحمه الله .. يوم اشتريت هذا الشريط لأحفظ سورة الملك كما أشار علي أبي الحبيب .. رفعت الصوت .. حتى لا أسمع غيره .. قلت في نفسي لعل الله يهديه .. عندما سمع القرآن .. غضب .. ثار ..
أقام الدنيا لهول المصيبة التي ارتكبتها .. كل ذلك لأنه سمع القرآن؛ لقد تحجر قلبه .. توجه مسرعًا إلى غرفتي .. فتح الباب ودون استئذان .. متهجمًا ليصفعني .. لم أبك .. لكنني تألمت .. خفضت صوت القرآن .. ذلك الصوت الذي كان يتردد صداه في منزلنا .. هتف هاتف أن توضئي .. وصلي لله ركعتين .. أما هو خرج من غرفتي ليكمل مشاهدته فرحًا مغتبطًا بما قام به .. وكأنه حقق انتصارًا عظيمًا .. لكن ما أغاظه وكدر صفوه هو أنه عندما رآني أخرج للوضوء ويعني ذلك أنني سأصلي .. استغرب! .. سأل نفسه لِمَ لم تبك؟ .. لِمَ لم تحس؟ .. لِمَ لم تتألم؟ .. من أين لها هذا الصبر؟ .. ما هذه القوة التي تحملها فتاة في مثل سنها؟ .. لِمَ هي أفضل مني؟ .. ترى أهذا من والدتها أم أنه من والدها؟ .. ولكن حدث غريب حصل في تلك الليلة؛ وهو أن زوج أمي قام بإغلاق ذلك الفساد .. وذهب إلى فراشة مبكرًا على غير عادته.
مثل هذه الأحداث لم تؤثر على تحصيلي الدراسي .. فقد نجحت وبتفوق ولله الحمد .. لم يفرح لي أحد من أقاربي سوى أمي الحنون التي تعيش لإسعادي وطلب رضاي .. أما زوج أمي فقد زاد عتوه وجبروته ... يدخل المنزل بصراخ .. ويخرج بسب وشتم .. أصبحت الحياة معه لا تطاق .. احتارت أمي معه .. تسأل الله إما هدايته أو فراقه ..
ويقدر الله .. والقدر سر الله في خلقه .. أن يصيبه مرض يلزمه الفراش .. فلا يستطيع الكلام ولا الحراك .. تكثر المكالمات .. والاتصالات .. لكن لا جواب .. رجل عليل مريض بحاجة إلى صديق يواسيه .. أخ يسانده يقف بجانبه .. يحتاج إلى عطف .. حنان .. زملاء السهر تخلوا عنه؛ فهم لا يعرفون سوى المادة .. لم يزره أحد منهم .. جاء دوري .. وقفت معه في شدته .. أخذت أخفف عنه ألمه وأمسح عنه دمعاته .. أعطيته الدواء في مواعيده .. لقد علمني والدي أن أدفع السيئة بالحسنة .. نسيت كل معاملته لي .. الوقت ليس لتصفية الحسابات .. ما مضى انقضى .. أنا أريد أن أكسبه .. فهذا مجال دعوة واحتساب أجر .. كان يرمقني بعينه ولا يستطيع تفسير سر اهتمامي به .. مرت الأيام .. كنت أعود من الجامعة .. أتوجه إليه مباشرة ..
أسأل أمي عن أحواله .. أحيانًا كنت أراجع دروسي عنده .. الوالدة كانت متعبة؛ فهي تلازمه فترة غيابي وطوال الليل .. وذات يوم وأنا عنده .. إذ به يناديني باسمي .. مد يده إلي .. فرحت عندما سمعت صوته .. استدعيت أمي .. وأسرعت إليه .. أمسكت بيده .. ذرفت الدموع من عينيه .. وجَّه الكلام لي: سامحيني يا ابنتي .. اصفحي عن كل ما بدر مني .. لقد قسوت عليك كثيرًا .. يجهش بالبكاء .. أرجوك يا ابنتي سامحيني .. لقد كنت أفضل مني.
يا رب سامحني .. يا رب تب علي .. على تقصيري في حقك .. اللهم إني أعلنها توبة صادقة إليك .. أصابتني الدهشة والفرح وأنا أسمع كلامه .. لحظتها سجدت لله شكرًا.
قلت له: لقد عفوت عنك .. وأسأل الله أن يغفر لك ويتقبل توبتك. تحسنت أحواله .. ومع مرور الأيام .. أشياء كثيرة تغيرت في حياتنا بعد أن تماثل زوج أمي للشفاء .. لقد عاد منزلنا كما كان في عهد والدي يرحمه الله .. بين يشع بنور الإيمان .. ويرتل في أرجائه آيات القرآن .. ولله الفضل أولاً وأخيرًا.
انتهت القصة / من موقع صيد الفوائد
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[29 - 03 - 2010, 02:11 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... أما بعد:
القصة بعنوان:
"
قصة أبو إكرام الفرنسي - الباحث عن الحقيقة - "
¥