إن الوقوف بعلومنا البلاغية القديمة حول هذا اللون البياني او البديعي مثل الطباق والسجع والجناس فنقول عن الطباق إنه يبرز المعنى ويوضحه في عبارة مكررة بلا جمال لهو جمود لا طائل من ورائه.
شعر التفعيلة أو الشعر الحر هو شعر موجود على الساحة سواء قبلناه أو رفضناه فهو موجود، والواقع يؤكد أن نتعامل مع ما هو قائم بالفعل لا ما يجب أن يكون؛ لأن ما يجب أن يكون مكانه المدينة الفاضلة، وهي غير موجودة على أرض الواقع.
أما أهم شرط ذكرته وهو الوضوح فلا أدري من وضع هذا الشرط فهي قضية نقدية اختلف حولها النقاد، وخالف رأيك في الغموض الذي ذكرت إنه من عيوب القافية عدد كبير من الأعلام القدامى منهم عبد القاهر الذي ناقشه ووقف معه طويلا وسأذكر لك موقفه منه
فيمثل الغموض عند عبد القاهر الجرجاني الأصل في قول الشعر لا الوضوح، فغموض النص في المعنى هو الذي يمنحه القيمة، مع تحقق الارتباط، والوقوع في النفس وقعا واحدا يقول:"واعلم أن مما هو أصل في أن يدق النظر، ويغمض المسلك في توخي المعاني التي عرفت أن تتحد أجزاء الكلام، ويدخل بعضها في بعض، ويشتد ارتباط ثان منها بأول، وأن يحتاج في الجملة إلى أن تضعها في النفس وضعاً واحداً" عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص:93
واستخدم عبد القاهر مصطلحات كثيرة للدلالة على الغموض منها
التعقيد واللبس والتعمية: وقد جمعهم عبد القاهر في تعليقه على بيت الفرزدق:
"وَمَا مِثْلُه في النّاس إلاَّ مملَّكاً ... أبو أمِّه حيٌّ أبُوه يُقَارِبُهُ
حيث يقول:"وما كان من الكلام معقَّداً موضوعاً على التأويلات المتكلَّفة، فليس ذلك بكثرةٍ وزيادة في الإعراب، بل هو بأن يكون نَقْصاً له ونقضاً أولى، لأن الإعراب هو أن يُعرب المتكلم عما في نفسه ويبيّنه ويوضِّح الغرض ويكشفَ اللَّبْسَ، والواضعُ كلامه على المجازفة في التقديم والتأخير زائلٌ عن الإعراب، زائغٌ عن الصواب، متعرّض للتلبيس والتعمية". عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، ص:56.
التوسع: وقد استخدمه عبد القاهر عند تقسيمه الاستعارة فقال:" ثم إنها تنقسم أوّلاً قسمين، أحدهُما: أن يكون لنقله فائدة، والثاني: أن لا يكون له فائدة ...... وموضع هذا الذي لا يفيد نقله حيث يكون اختصاصُ الاسم بما وُضع له من طريق أريدَ به التوسُّع في أوضاع اللغة، والتنوُّق في مراعاة دقائق في الفروق في المعاني المدلول عليها، كوضعهم للعضو الواحد أساميَ كثيرةً بحسب اختلاف أجناس الحيوان، نحوَ وضع الشفة للإنسان و المشْفَر للبعير والجحفلة للفرس، وما شاكل ذلك من فروقٍ ربما وجدت في غير لغة العرب وربما لم توجد، فإذا استعمل الشاعر شيئاً منها في غير الجنس الذي وُضِع له، فقد استعاره منه ونقله عن أصله وجَازَ به موضعَه" (1)، عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، ص: 22.
الخفاء: وقد جعله عبد القاهر الجرجاني مرادفا للغموض في مواضع عدة؛ منها حديثه عن الخطأ الناتج في ذهن المتلقي في المعنى عن شدة الغموض وفرط الخفاء حيث قال:"واعلم أن من شأن الوجوه والفروق أن لا يزال يحدث بسببها، وعلى حسب الأغراض والمعاني التي تقع فيها دقائق وخفايا لا إلى حد ونهاية، وأنها خفايا تكتم أنفسها جهدها حتى لا ينتبه لأكثرها، ولا يعلم أنها هي. وحتى لا تزال ترى العالم يعرض له السهو فيه، وحتى إنه ليقصد إلى الصواب، فيقع في أثناء كلامه ما يوهم الخطأ، وكل ذلك لشدة الخفاء وفرط الغموض" عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص: 285 وانظر أيضا الصفحات:6، 482، 515.
والغرابة: وقد استخدمه عبد القاهر عندما استشهد ببيت الفرزدق الذي يقول:
وما حملت أم امريء في ضلوعها ... أعق من الجاني عليها هجائيا. عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص:534.
ـ[زاهر الترتوري]ــــــــ[15 - 07 - 2010, 03:31 م]ـ
أسعد الله أوقاتكم أيها الكرام
يبقى السؤال: هل ذلك النوع من الكتابة عربي أم غربي؟
أشكر الأخ عماد على طرحه هذا الموضوع وأحترم وجهة نظره التي أخالفه فيها، لا لأنني أقدم شعر التفعيلة على القصيدة العمودية بل لأن إنكار هذا النوع من الشعر يعد تعاميا عن الحقيقة وبعدا عن الواقع.
¥