تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالكلمة الملقاة في جدل الاختلاف آنذاك كانت مبتسرة جعلت الآباء ينضمون إلى هذه الفرقة أو تلك، ويعملون لخدمة هذا الخلاف أو ذاك، والانتصار لأراء ونظريات مذهب هنا أو مذهب هناك. فهو انتصار الفرد لمصلحة فئة محدودة من الأمة، اختصرت فيها الأمة الكبيرة. ليكون هذا الاهتمام منصبا على مصالح المذهب بينما تسقط هذه الحسابات المذهبية الضيقة مصالح الأمة في نطاقها العريض، التي تتبدى وقد ضاعت في دوامة الاختلاف والتمزق إلى جبهات تعيش حالة الحرب أو في فضاء اللا سلم واللا حرب أو في دوامة الترقب أو الاقتتال المتجدد. ولا احد يحمل هموم الأمة الكبير أو يطرح مشروع يعيد توحيد صفوفها، في الوقت الذي يصطرخ القرآن فيهم بالقول: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدوني) 92/ 21، (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) 103/ 3، (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) 46/ 8، فأهملت المذاهب والفرق هذه النصوص وأعرضت عن العمل بمقتضاها وصارت الأمة في وضعيتها المتفرقة قيد الاستغلال السيئ من قبل أعداء الأمة في الماضي والحاضر، وذلك لان الأمة لا تبحث عن حل جذري لتفرقها، نتيجة تقزّم اهتمامها المنشغل بالأفق المذهبي الضيق الذي ورثته عن الأجيال المتقدمة ...

والخلاصة ان المشهد يتبدى فيه تمسك الأبناء بكلمة الآباء التاريخية المستحكمة في الفرقة والنزاع والإعراض عن الوحدة، ونتيجة لافتقاد العقلانيه وطغيان صفة العاطفة ذات الصبغة المذهبية على جيل الأبناء (التعصب للمذهب)، فان تلك الأجيال المتأخرة بدت غير قادرة في ظل عاطفتها وعصبيتها على اكتشاف الخلل في كلمة الآباء، حتى تتحرك من اجل البحث عن كلمة سواء بديلة عن تلك الكلمة الموروثة، المتصفة بالقصور والجور واللا عقلانية، والتي لم يسفر تمسك الأجيال المتعاقبة بها إلا عن استحكام وضع الأمة في الفرقة والعذاب الأليم وتظاهر الفساد العريض، فما هو السبيل إلى الخروج من مأزم انتقاض وحدة الأمة وتشرذمها (أيدي سبأ)؟!.

البحث عن كلمة سواء: (تقريب المذاهب) ‍‍!!

لقد كان حل خلافات الأمة وإعادة صفوفها إلى لحمتها مسألة خارج إطار الإمكان ومستحيلة في نظر الكثيرين، لذلك لم تكن قيد التفكير أو مما يشغل بال أئمة المذاهب والفرق، التي ظل فكرها مهموم ومكدود بمشاكل الأتباع باعتبارها الفردي ومشاغل المذهب أو بالانتصار له والدفع عنه في وجه محاولة الخصوم المذهبيين من النيل منه بإضلال أو تشكيك الأتباع ونقض ولاءهم، لذلك كثرت الكتب التي فيها تشتعل الحرب بين المذاهب، نقضا وإبراما، في محاولة من هذا الفرقة أو تلك من اجل إقناع أفراد الفريق الخصم بضلالهم وضرورة النجاة بالالتحاق بالفرقة الناجية، التي يراها كل فريق تتمثل في مذهبه. ولذلك ساد في هذا الفضاء المشحون بالاقتتال الكلامي غياب التفكير في الوحدة، وفي هذا الجو اليائس البائس، كان أقصى ما تم طرحه فيما يخدم لحمة الأمة، يتطلع في أقصى مطالبه إلى التخفيف من التفرق بالتقريب بين مذاهب الأمة لإيجاد مظلة لتعايش الفرق فيما بينها بتجميد خلافاتها واخماد نيران اشتعالها وتوقف قرع طبول الحرب المذهبية. وأملى هذا الإحساس الوضع السياسي المتردي الذي تعيشه الأمة، وفيه تمكن أعداؤها من استلابها واستباحتها. حيث كان مشهد تشرذم الأمة، يدل على ان محافظة كل فرقة على ذاتها باستحواذها على تيار منها تتخندقه وتدافع عن مذهبها من خلاله غير عابئة بمصير الأمة الكبيرة- جعلها مكشوفة للأعداء، ولقمة سائغة بتوالي أشكال الغزو لأرضها، لتدفع بذلك الثمن الباهظ نتيجة تفضيلها المحافظة على مكاسبها المذهبية الضيقة على حساب مصالح الأمة الكبيرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير