تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالتفت بعض المنتمين لهذا المذهب أو ذاك إلى خطأ وخطر الوضع القائم، حيث لا ينبغي أن يستمر وضع التفرق يمزق الأمة ويستهلكها في حروب داخلية، وكان لابد لجميع الفرقاء المذهبيين من الاهتمام بإعادة توحيد صفوف الأمة وإعادة لحمتها من اجل مواجهة الأخطار التي تتعرض لها. وان المسار التاريخي بوقائعه المزلزلة التي أوقعها في الأمة يفرض على أولي الشأن فيها والمفكرين منها أن يكونوا في حالة إحساس بان تلك النوازل كانت نتائج مترتبة على وضع الأمة المتفرق في صيغة مذاهب دينية تؤسس للتمزق السياسي إلى دويلات وتخلد سيطرة الأعداء في الداخل (:الطغاة) والخارج (:الاستكبار)، فلم يكن وضع الارتهان للأعداء ناتج عن قوة العدو ولا لافتقاد القدرة في كسر سلطته أو سلطانه، ولكن لضعف الأمة بتفرقها وتمزقها ونشغالها بخلافاتها الذاتية، وتبدد قدراتها وامكاناتها في تلك النزاعات الداخلية. فترتب على هذا الفهم تفضيل الخروج من الفضاء المذهبي الضيق إلى فضاء أكثر رحابة فيه نشأت فكرة (التقريب بين المذاهب)، التي تهدف إلى لفت الانتباه إلى العناصر المشتركة الجامعة بين المذاهب والفرق والتهميش والتقليل من أهمية العناصر المفرقة، بذلك كان يتوخى ان تتقلص المساحة الفاصلة بين المذاهب لتشكل جبهة مشتركة تتوحد في ظلها الأمة شيئا من التوحد، لتواجه العدو الخارجي المهدد لكيان الأمة بكل مذاهبها وأطيافها ولعنوان هويتها الجامع المتنازع فيه، ألا وهو الإسلام. ويعبر احد المؤسسين لفكرة التقريب بين المذاهب عن دوافع فكرة التقريب بالقول: «ليس المراد من التقريب بين المذاهب الإسلامية إزالة أصل الخلاف، بل أقصى المراد وجل الغرض هو إزالة ان يكون هذا الخلاف سببا للعداء والبغضاء ... أعظم فرق جوهري بل لعله الفرق الوحيد بين الطائفتين: السنة والشيعة هو قضية الإمامة حيث وقفت الفرقتان منها على طرفي خط ... والقول بالإمامة وعدمه لا علاقة له بالجامعة الإسلامية وإحكامها من حرمة دم المسلم وعرضه وماله ووجوب أخواته .. ». ويتابع القول: «ولو ان المسلمين كانوا في تلك الظروف يدا واحدة كما أمرهم الله لما انتزع من الإسلام شبرا واحدا، وإذا لم يكفنا عبرة ما سجله التاريخ من تلك الفجائع، فليكفنا ما رأينا بأم أعيننا من رزية المسلمين بفلسطين، وهي الفردوس الثاني، وسبع دول عربية إسلامية كما يزعمون تتغلب عليها عصابة من أذل الأمم مشهدا واقلهم عددا! ... ان من اللازم على كل فرقة من المسلمين، من الشيعة وغيرهم ان يوصدوا باب المجادلات المذهبية، وما يثير الحفائظ والعصبية، فإنها ان لم تكن محرمة بنفسها ومضرة بذاتها فهي من أعظم المحرمات في هذه الظروف التي أحاط بنا فيها الأعداء». وهكذا، نجد ان فكرة التقريب لم تكن حلا شافيا، ولا علاجا ناجعا، وإنما هي فرصة لتجميد الخلافات على الجبهة الداخلية المتوترة أبدا، من اجل التصدي إلى الأوضاع المتدهورة على صعيد الجبهة الخارجية للأمة.

كل تلك الأهداف التي توختها حركة التقريب تعد خطوات تمهيدية، كان من الجدير ان تستتبع ببحث جاد عن الوسائل والآليات التراثية الحاسمة للبت في الخلافات الفكرية المسئولة عن نشأت المذاهب والفرق، أي كان لابد من التعرض للجذور، بـ (ازالة أصل الخلاف)، الذي لم تستهدفه فكرة التقريب بين المذاهب، فكان من المفترض ان تتطور فكرة التقريب لتؤسس مركز بل مراكز للبحث والدراسات تجند له خير عقول الأمة من اجل البحث والدراسة في منشأ الفرقة والتفرق والسبيل إلى إزالة أصل الخلاف للعودة بالأمة إلى جامعتها ووحدتها، كما كانت في العهد النبوي الأول، وذلك بإيجاد مخطط يشتمل على البحث عن الخطوات النظرية والعملية التي تكفل وضع الحلول التوحيدية، القائمة على اكتشاف الآليات التراثية الحاسمة في حل الخلافات، حتى لا يكون الخلافات التي يسرد تفاصيلها التراث التاريخي، والتي لم تحل على الصعيد الفكري والنفسي، آنذاك، وحلت بالوسائل العسكرية، فظلت عالقة تكرر الأجيال مشاهد الحروب والجدل المنطوية عليه وتتابعه بالطريقة ذاتها، كل يتمسك بتصوراته للمسألة ويقاتل عليها كما فعلت أجيال الآباء، غافلين عن انتهاء وضع الحرب وآن الأوان لوضع المسألة على طاولة البحث لوضع النقاط على الحروف بدل ان يظل التراث التاريخي المعلق الحلول هو المرجع الخالد الذي تتغذى منه المذاهب أبدا، ليمثل الينبوع المؤسس للخلافات في الحاضر والمستقبل، وباعثا لوقائع ومشاهد التاريخ الساخنة التي تقاتلت فيها المذاهب لتشغل الحاضر والمستقبل، فينعكس ذلك على الدين، الذي سيبدو حينها انه هو الجذر المؤسس للاختلاف والفرقة، وسيبدو الدين أيضا في هذا المشهد مرادفا للتخلف الحضاري، ومسئول عن تردي أوضاع المسلمين، وعن تخليد تمزق الجبهة الداخلية للأمة والتمكين للخطر الخارجي من التنامي والاستفحال والاستيطان في البلاد الإسلامية ...

بناء على ذلك، فان فكرة التقريب من البداية كانت فكرة تمهيدية تكلست على هذه الوضعية، وعادت مذاهب الأمة إلى مرجعيتها التراثية، لتنقض هذا البناء المؤقت الصلاحية، بأهدافه التي تتوخى في أقصى مطالبها تجميد الخلافات والسعي إلى فرض حالة من التعايش بين المذاهب والفرق بتحييد أو تجميد نقاط الخلاف والافتراق والالتقاء على نقاط الاشتراك، فلم تكن الفكرة بهذه الكيفية علاجا ناجعا للفرقة والتفرق، لذلك لم يكن لهذا التوجه أن يكتب له النجاح والاستمرار طويلا، ومع الوقت كان لابد ان يفرغ من محتواه فتغدو مكوناته هياكل شكلية وشعارات جوفاء ومؤتمرات مجاملات، وهذا هو الحال الذي انتهت إليه فكرة التقريب بين المذاهب ...

ولكن ما الحل؟

الحل يتمثل في إطلاق مشروع تحكيم القرآن!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير