قال: فدخل عدي على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين! الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي! ما لي وللشعر، قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدح فأعطى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقال: كيف؟ قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع بها لسانه، قال: أو تروي من قوله شيئاً؟ قال: نعم، وأنشد:
رأيتك يا خيرَ البرية كلها = نشرت كتابا جاءَ بالحق مُعلَما
شرعتَ لنا دين الهدى بعد جَورنا = عن الحق لما أصبح الحقُّ مظلما
ونورتَ بالبرهان أمرًا مدنَّسًا = وأطفأت بالبرهان ناراً تضرَّما
فمن مبلغٌ عني النبيَّ محمدًا = وكلُّ امرئ يُجزى بما كان قدما
أقمتَ سبيل الحق بعد اعوجاجه = وكان قديمًا ركنُه قد تهدما
تعالى علوًّا فوق عرش إلهنا = وكان مكان الله أعلى وأعظما
قال ويحك يا عدي! من بالباب منهم؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال: أليس هو الذي يقول:
ثم نبهتُها فهبتْ كعابًا = طفلة ما تُبِينُ رجْعَ الكلامِ
ساعةً ثم إنها بعدُ قالتْ = ويلتا قد عجِلتَ يا ابن الكرامِ
أعلى غير موعدٍ جئتَ تسري = تتخطى إلي روس النيامِ
ما تجشمتَ ما يَزينُ من الأم = رِ ولا جئتَ طارقًا لخصامِ
فلو كان عدو الله إذ فجر كتم نفسه، لا يدخل علي والله أبداً، فمن بالباب سواه؟ قال: همام بن غالب، يعني الفرزدق، قال: أوليس هو الذي يقول:
هما دلتاني من ثمانين قامةً = كما انقضَّ بازٍ أقتمُ الريش كاسرُهْ
فلما استوتْ رجلاي بالأرض قالتا = أحي يُرجَّى أم قتيل نحاذرهْ
لا يطأ والله بساطي، فمن سواه بالباب منهم؟ قال: الأخطل، قال: أبعده الله! هو الذي يقول:
ولست بصائم رمضان طوعًا = ولسب بآكل لحمَ الأضاحي
ولست بزاجر عنسًا بكور = إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بقائم كالعيْر يدعو = قبَيل الصبح "حي على الفلاح"
ولكني سأشربها شمولاً = وأسجدُ عند منبلج الصباح
والله لا يدخل علي وهو كافر أبداً، فهل بالباب سوى من ذكرت؟ قال: نعم، الأحوص، قال: أليس هو الذي يقول:
الله بيني وبين سيدها = يفر مني بها وأتبعه
غربْ عنه، فما هو بدون من ذكرتَ، فمن هاهنا أيضاً؟ قال: جميل بن معمر قال: يا عدي هو الذي يقول:
ألا ليتنا نحيا جميعًا وإن تمتْ = يوافق في موتي ضريحي ضريحها
فما أنا في طول الحياة براغبٍ = إذا قيل قد سوي عليها صفيحها
فلو كان عدو الله تمنى لقائها في الدنيا ليعمل بعد ذلك صالحًا، والله لا يدخل علي أبدًا، هل سوى من ذكرتَ أحدٌ؟ قال: جرير بن عطية، قال: أما إنه الذي يقول:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا = حين الزيارة فارجعي بسلامِ
فإن كان لا بد فهو، قال فأذن لجرير، فدخل وهو يقول:
إن الذي بعث النبي محمدًا = جعل الخلافة في الإمام العادلِ
وسِع الخلائق عدله ووفاؤه = حتى ارعوى وأقام مَيل المائلِ
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً = والنفس مولعة بحب العاجلِ
فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير، اتق الله ولا تقولنَّ إلا حقاً، فأنشأ جرير يقول:
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت = أم قد كفاني ما بلغت من خبري
كم باليمامة من شعثاء أرملةٍ = ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممن يعدّك تكفي فقد والده = كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوة ملهوفٍ كأنَّ به = خبلاً من الجن أو مسًّا من النشرِ
خليفة الله ماذا تأمرون بنا = لسنا إليكم ولا في دار منتظر
ما زلت بعدك في هم يؤرقني = قد طال في الحي إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود باديَنا = ولا يعود لنا بادٍ على حضر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا = من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدراً = كما أتى ربه موسى على قدر
هذي الأرامل قد قضَّيت حاجتها = فمن لحاجةِ هذا الأرمل الذكر
الخير ما دمت حيًّا لا يفارقنا = بوركتَ يا عمر الخيرات من عمرِ
¥