تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(فنتكلم عندئذ عن "الإضمار": مثال ذلك حذف الفتحة من تاء متفاعلن لتصبح (مستفعلن)؛ ونتكلم عن "العصب" في حالة حذف الفتحة فقط من "لام" مفاعلتن لتصبح بعد ذلك (مفاعيلن))؛ وإما أن نحذف الحرف وحركته كليهما (فنتكلم حينها عن "الوقص" كما هو الحال في حذف التاء المفتوحة من متفاعلن لتصبح (مفاعلن). ونتحدث عن "العقل" في حالة حذف اللام المفتوحة من مُفاعَلَتُن لتصبح (مفاعلن)).

وفي حين تقود الزحافات دائما إلى النقص, عندما يقارن السبب المتأثر بالسبب الطبيعي؛ فإن العلل (التي تحدث تغييراً في التفعيلة الأخيرة في كل واحد من شطري البيت) تقع في مجموعتين وفقا لطبيعية حدوثها بسبب الزيادة أو الحذف. فالتذييل، على سبيل المثال، يكون بإضافة حرف ساكن إلى الوتد المجموع. (وبهذا فإن مستفعلن تصبح مستفعلان) وفي الترفيل يضاف سبب خفيف إلى وتد مجموع (تتحول متفاعلن إلى متفاعلاتن).

ومن ناحية أخرى، فإن الحذف يعني فقدان سبب خفيف (كما هو الحال في مفاعيلن التي تصبح ـ بعد الحذف ـ فعولن، أو فعولن التي تتحول إلى فَعَلْ؛ ويعني القطف فقدان سبب خفيف مع الحركة السابقة له (كما هو الحال مثلاَ في مُفاعَلَتُن التي تتحول إلى فعولن؛ ويعني الحذذ فقدان وتد مجموع باكمله كما هو الحال في مُتفاعلن لتصبح فَعِلنْ).

تعطي الأمثلة ا لمذكورة انطباعاً تقريبياً فقط عن تعقيد النظام القديم. ونجد مزيداً من التغييرات المعقدة عندما نحصل على انحرافين داخل التفعيلة الواحدة، ونجد الوضع نفسه في حالات أخرى معينة وخاصة. ويمكننا على هذا النحو أن نشتق من التفعيلات الثمان الأساس ما لا يقل عن سبع وثلاثين تفعيلة فرعية، وهي فعلياً موجودة كلها في الشعر العربي القديم. وتقوم التفعيلات الخاضعة للتغيير عن طريق العلل بالدور الأكبر لسببين:

أولاً: لأنها تحدث قدراً أكبر من الزيادة أو النقصان في التفعيلات العادية أكثر مما تحدثه الزحافات الضعيفة.

ثانياً: لأنها تحدث أنماطاً مختلفة من الإيقاع تتكرر عبر القصيدة كلها. وقد ظهر عدد كبير من التقسيمات الفرعية في كل البحور بسبب وجود مدى واسع للاختلاف فيما يتعلق بنهايات الأبيات. ونظراً لأن الضرب، "التفعيلة الأخيرة من الشطر الثاني"، هو المعني بهذه التغييرات بصورة أكبر من العروض "التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول" بوصفه نهاية البيت كله؛ فإن الأوزان الممكن توليدها من تلك التغيرات تسمى على أسماء ضروبها المختلفة. فبحر الطويل ـ مثلا ـ له عروض واحدة، أي أن التفعيلة الأخيرة من شطره الأول تأخذ دائما شكلاً واحداً متمثلاً في "مفاعلن" التي اعتراها ما يعرف بالقبض. ولكننا نجد أن لهذه العروض ضروباً ثلاثة؛ أي إلى جانب الشكل المعتاد للتفعيلة الأخيرة من شطر البيت الثاني نجد شكلين آخرين لها. ووفقاً لذلك، فإننا نحصل على بحر الطويل الأول، والثاني، والثالث، معتمدين على فكرة إذا كان الضرب "مفاعيلن" أو "مفاعلن" أو "فعولن"، وينطبق هذا القول على سائر البحور. فبحر الكامل، الذي يضم تسعة ضروب، أكبر البحور وأعظمها من حيث عدد الضروب. إن مجموع الأعاريض المحتمل وجودها في البحور الستة عشر هو ست وثلاثون عروضاً، ومجموع الضروب سبعة وستون ضرباً. ويمكن القول: إن البحور العربية القديمة الستة عشر قد استخدمها الشعراء في سبعة وستين نمطاً مختلفاً من الإيقاعات، واضعين في الحسبان التغييرات التي تحدثها العلل في خواتيم الأبيات، ومتجاهلين الزحافات العارضة التي تدخل في حشو البيت.

ولو وثقنا في كلام العروضيين العرب، واتبعنا طرائقهم غير المباشرة نكون بذلك في وضع يمكننا من تقطيع كل الأوزان التي ظهرت في الشعر العربي القديم، وسيبدو هذا بمثابة ختام الكلام عن علم العروض في بنائه العام.

وعلى الرغم من ذلك, فإن المستشرقين الأوروبيين لم يعتمدوا على العروضيين العرب من دون تحفظ, لأنهم لم يتمكنوا حتى الآن من فهم السبب الجوهري الخاص بتعقيد نظامهم. فما هو السبب الذي أدى إلى إنشاء الدوائر؟ ولماذا نجد بيانات مصاغة عن الأوزان في الوقت الذي لا يمكن فيه الوصول إلى الصيغ الحقيقية للأوزان إلا عن طريق نظام معقد للانحرافات المسموح بها؟ ويجب أن نضيف إلى هذين الاعتراضين أن المفهومات الأساسية للعروضيين العرب, والطريقة التي بموجبها بسطوا، وفسروا أنساق الصوت والإيقاع أمر غريب علينا تماما. إنهم يصفون الظاهرة العروضية من الناحية الخارجية، ووفقا للتغيرات التي تخضع إليها حروف الكلمات الواقعة في الأبيات؛ في حين أننا قد اعتدنا ـ كما ذكرنا آنفا ـ على تفسير تغير شكل الوزن بلغات مختلفة عن طريق إبراز خصائص مقاطع اللغة المعينة. ولكننا لا نجد في نظام العروضيين العرب أي كلام صريح يتعلق بأطوال المقاطع ونبراتها في الشعر العربي القديم. ولذلك، يبدو أنه ليس هناك شيء نتعلمه من العروضيين العرب فيما يتعلق بالجوهر الحقيقي للأوزان العربية، أي لا شيء نتعلمه عن الطريقة التي بموجبها نشأ الإيقاع المميز للشعر العربي القديم؛ سواء، كما هو الحال في الإغريقية القديمة، قد وُجد حصراً عبر تناغم التتابع الدوري المتكرر للمقاطع القصيرة والطويلة, أي على نحو كمي محض، أو عن طريق عنصر النبرة الملفوظ بقوة الذي كان عاملاً أيضا في تحديد شكل الإيقاع في شعرهم. وإذن، فإننا نميل ـ عموماً ـ إلى عدم قبول نظامهم مستفيدين بتأن من مجموعة مصطلحاته الفنية إلى الدرجة المطلوبة فقط في فهم شروح القصائد القديمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير