تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[23 - 11 - 2009, 02:21 م]ـ

ذكرنا آنفاً أن كمية المقاطع محددة على نحو ثابت في اللغة الأدبية العربية القديمة؛ ولذلك فإنه من الجائز لنا افتراض أن الإيقاع في شعرهم قد وجد تعبيره من خلال بعض أشكال الأوزان الكمية. ويتفق على هذا الافتراض الأساسي تقريباً معظم أهل الاختصاص الذين تناولوا الأوزان العربية. ولكن، لا يوجد اتفاق بينهم حول السؤال المتعلق بما إذا كانت ثمة عوامل غير كمية المقاطع قد شكلت الإيقاع في الشعر القديم، أو إلى أي مدى ساهمت في هذا الأمر. وهناك آراء متباينة حول التأليف والتتابع اللذين رُتبت بموجبهما المقاطع القصيرة والطويلة في تفعيلات، ثم وضعت هذه بدورها في أوزان. وهناك فضلا عن ذلك السؤال البارز الذي نوقش طويلا، فيما يخص إيقاع الأبيات إن كانت قد وجدت حصريا في نماذج كمية من المقاطع القصيرة والطويلة في التفعيلة الواحدة، كما هو الحال في الإغريقية القديمة؛ أو إن كان هناك نبر إيقاعي يتكرر بانتظام مؤكدا (وبصفة خاصة) على مقاطع معينة في البيت.

طرح هاينريش إيوالد ( Heinrich Ewald) نظرية جديدة تتعلق بالنمو العضوي للأوزان العربية القديمة، متجاهلا بذلك نظريات العرب في هذا الخصوص. وقد بدأ فرضيته بالقول إن إيقاع الشعر العربي لم يُنشأ من كمية المقاطع فقط, ولكنه أنشئ من وجود النبر الواضح في بعضها كذلك. لم يجد إيوالد في البداية (سنة 1825م) سوى أوزان على بحر العمبق (معلمة بواسطة التكرار لمقاطع قصيرة وطويلة). ولكنه ميز في عرضه الثاني (سنة 1833م) خمسة أنواع من الإيقاع وقد نال تصنيفه هذا انتشارا لأن و. رايت ( W. Wright) قبله، وطبعه في آخر كتابه "قواعد النحو في اللغة العربية، الطبعة الثالثة، 1898م، ج2، ص361".

وحيث إنه كان من الممكن لإيوالد أن يبدأ وفق أساس محكم فيما يتصل بكمية المقاطع؛ فإن نتائجه فيما يتعلق بالنبر باعتباره العامل الثاني كانت تعتمد فقط على افتراضات وصل إليها عن طريق مقارنة بناء الشعر العربي ببناء الأوزان الإغريقية، وتتابع المقاطع القصيرة والطويلة فيهما. لم تكن نتائج إيوالد غير قابلة للإثبات فحسب، بل كانت فعليا غير ممكن الركون إليها (أو اعتمادها)؛ لأنها تبدأ بافتراض إمكانية الحصول على الإيقاع نفسه في البحور العربية والإغريقية جميعا، دون أن يقدم دليلا واحدا يثبت ذلك، ودون أن يأخذ في الحسبان أن وجود النبر الإيقاعي في الشعر الإغريقي القديم هو نفسه محل خلاف. وهذا هو السبب في كون المتخصصين المتأخرين كلهم الذين بدأوا من افتراضات مشابهة، كما فعل إيوالد، لم يتفقوا مع إيوالد من جهة، ولا مع بعضهم بعضا من جهة ثانية حول السؤال المهم المتعلق بكيفية تجزئة التفعيلة، وفيما إذا كانت هناك أية مقاطع تستوجب أن تنبر.

قدم ستانسلاس غويار ( Stanislas Guyard) تفسيرا مختلفا على نحو كبير لجوهر الأوزان العربية. فقد قرر اختيار فقرة موسيقية مع قياسه الوقت المحدد لكل مقطع، وتثبيته له بواسطة نغمة موسيقية، بدلا من الاعتماد على تمييز المقاطع الطويلة والقصيرة بنسبة 2: 1 فحسب. وبقبوله لتقسيم التفعيلات والبحور، الذي وصل إلينا عن طريق الألفاظ التي يسهل تذكرها في هذا الخصوص، فقد توصل ستانسلاس في النهاية وعبر مقاييسه الموسيقية إلى أن الزمن القوي والزمن الضعيف يجب أن يتعاقبا في كل وقت. وتم تفسير المفارقات الواضحة عن طريق وصف الزمن القوي باعتباره ضعيفا، أو عن طريق إدخال نغمة التوقف المؤقت (صمت) التي لم يتم التعبير عنها بيانيا لتقوم بدور الزمن الضعيف. وقد فسر وجود انحرافات أخرى عن طريق افتراض وجود نبرتين "إيقاعيتين" في كل تفعيلة عربية، ولكنه تخلى عن "مفعولات" باعتبارها تفعيلة متخيلة لأنها لا تنسجم مع ما هو موجود في نظرياته. ثم أصبح بعد ذلك في وضع يمكنه من التوكيد على فكرة أن البحور الستة عشر بتنوعها كله تنسجم حقا مع الإيقاع الموسيقي الذي كان قد افترضه سلفا. ولكنه، بدلا من أن يفسر جوهر بناء وزن البيت في الشعر العربي، حوّل الأمر بكل بساطة إلى تتابع مصطلحات موسيقية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير