تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما مارتن هارتمان ( Martin Hartmann) فهو مهتم بتطور البحور المختلفة، وبمشتقاتها من بعضها بعضا أكثر من اهتمامه بالجوهر الحقيقي للأوزان العربية. ولذلك، فهو لم يجادل إيوالد، على الرغم من إمكانية الافتراض من أنه يختلف معه نظرا لتماديه في الادعاء أنه قال: لم يكن هناك شيء يدل على أن العرب قد فكروا ـ يوما ـ في الفروقات الكمية في شعرهم. وعلى الرغم من أن هارتمان لم يقل ذلك بصراحة، فقد بات من المؤكد أن الشعر العربي القديم كان في رأيه ذا طبيعة تتميز بوجود النبر. وفي المقابل، يؤكد هارتمان على نحو صحيح أن مقطع النبر الرئيس يجب أن يكون دائما بطول ثابت، وأن المقطع القصير الذي يسبقه يجب أن يكون ذا زمن ثابت كذلك. وفيما يتعلق بأصل الأوزان افترض هارتمان أن السبيل الوحيد الباقي هو أن مردّ ذلك الأصل يرجع في النهاية إلى أشكال المحاكاة الإيقاعية الغريزية للتكرار المنتظم لوقع أخفاف الإبل. فكما يقدم البعير أرجله في شكل زوجي، يفترض هو أن الوزن الأساس لا بد من أن يكون هو الوزن الذي يحتوي على تعاقب المقطع المنبور، والمقطع غير المنبور. واعتمادا على فكرة ما إذا كانت البداية من خطوة الحيوان الأولى في كونها تنطلق من حالة السكون مباشرة، أم من إحدى الخطوات المتوسطة في سيره؛ فإننا سوف نحصل على بحر "الهزج" (ب ـــَ ب ـــ)، أو بحر "الرجز" (ب ـــ ب ـــَ). والفرق بينهما هو أن النبر يكون على العنصر الأول في الحالة الأولى، وعلى الثاني في الأخرى. وبالنسبة إلى هارتمان، ينشأ بحرا "المتقارب"، و"المتدارك" من هذين الوزنين الأساسين عن طريق إدخال مقطعين غير منبورين في كل حالة، وليس بإدخال مقطع واحد، وذلك بين الخطوتين، أي بين المقطعين المنبورين؛ كذلك ينشأ بحر "الوافر"، و"الكامل" عن طريق الإدخال المتعاقب لمقطعين غير منبورين، ومقطع غير منبور واحد بين المقطعين المنبورين على التوالي. وعلى نحو مشابه يتناول هارتمان بحر البسيط (ـــ ـــ ب ـــ[ـــ]ـــ ب ـــ) وبحر الطويل (ب ـــ[ـــ]ـــ ب ـــ ـــ ـــ) باعتبارهما شكلين ناقصين من "الرجز" و"الهزج". وقد وجد هو أيضا صعوبات في اشتقاق أوزان أخرى؛ وذلك عندما لا يجد إدخالا لمقاطع منبورة، أو غير منبورة، بل يجد مقطعين منبورين لا بد من وقوعهما معا. إن ما عرضه هارتمان من شروح هو افتراضات ذاتية تتعلق بأصل الشعر العربي من ناحية عامة، وباشتقاق الأوزان "كلها" من وزن أصلي واحد على وجه التحديد. وما أتى به من حجج غير مقنع، لأنه لم يقدم برهانا قاطعا واحدا؛ ولأنه فيما يبدو يعتقد أن حدوث الأشكال الإيقاعية يمكن أن يفسر على نحو كاف عن طريق التضمين الاعتباطي، أو الإقصاء لتفعيلات "بعينها"، أو عن طريق الافتراض البسيط للوقف القصير. ويعترف هارتمان نفسه بأنه لم يتمكن من توضيح السبب الذي دفع العرب لاختيار المجموعات المؤتلفة الخاصة التي ظهرت في البحور الستة عشر.

وقد طور غوستاف هولشر ( Gustav Hoelscher) بدوره نظرية تتعلق بأصل الأوزان العربية، واشتقاق بعض بحورها من بعض. وعنده أن الرجز باعتباره أبسط البحور وأقدمها تقليديا قد نشأ من النثر الإيقاعي وهو السجع، وذلك عن طريق تنظيم عدد المقاطع وكميتها. ويتصف هذا البحر في رأيه بالإيقاع المتصاعد وهو مقيد بصورة ما. وفي رأيه أيضا أن البحور الأخرى جميعا نشأت من الرجزن حيث كان السريع، والكامل، والهزج أولا، ثم جاء الوافر، والبسيط، والطويل، والمتقارب؛ وذلك عن طريق صور أو أشكال مختلفة من الترخيم الوسطي. ومن الواجب هنا إثارة نقاط الاعتراض نفسها التي أثيرت حيال نظرية هارتمان المتعلقة بموضوع الاشتقاق. ويعترف هولشر نفسه بأن (الخفيف) و (المنسرح) لا يمكن اشتقاقهما من (الرجز).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير