قولا لست فيه متأثما، ولا منه متلثما، وذاك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها، حتى تظن الفريقين قد تقابلا، والسلاحين قد تواصلا، فطريقه في ذلك تضل بسالكه، وتقوم بعذر تاركه) ينظر المثل السائر 3\ 227 - 228
فقد تبين أنه يريد أن المتنبي لم يبلغ شأو أبي تمام في ابتكار المعاني الجديدة وتوليدها
وهوبالمقابل يشهد للمتنبي بالتفوق في الوصف والتصوير،وهذا ما يتفق عليه الدارسون فأبو تمام في ابتكار المعاني فارس لا يشق له غبار.
ومما يدل على أن ابن الأثير لا يعني ما فهمته أنه قال في آخر حديثه عنه (وعلى الحقيقة فإنه خاتم الشعراء ومهما وصف به من وصف فإنه فوق الوصف والإطراء)
أما قول ابن رشيق فقد سبق التنبيه إلى أصله عند ابن سلام وسبق القول أيضاً أنه لا يحال إلى متأخر ولا يهم ما يقدم به النقاد العبارة مادمنا قد عرفنا أصلها فقد نقلوها نصا ممالا يدع مجالا للشك بأن قائلها هو أبو عمرو بن العلاء وأقول مع هذا إن ابن رشيق لم يعن قبول العبارة فضلا عن تعميمها على كل زمن بدليل أنه أورد عشرات العبارات المعارضة لها في تفضيل غير هؤلاء الشعراء دون التعليق عليها،فالمسألة كلها تسجيل آراء النقاد وكثير منها انطباعي وليد ساعته، انظر العمدة، ت. النبوي شعلان ص 129 - 157، والمواضع غيرها في الكتاب كثيرة.
وأحب أن أنبه الى أن قولهم (الإسلاميين) يراد به عصر صدر الإسلام والعصر الأموي ويسمى من بعدهم المولدون أو المحدثون أو العباسيون وهذا مما تتابع عليه النقاد قديما وحديثا فلا وجه لإدخال المتنبي في هذا القول أصلاً.
أما جواهر الأدب فلم أعثر فيه على الكلام الذي أشرت إليه ولم أجد باباً بعنوان جرير وقصائده فليتك تدلني على رقم الصفحة.
أما العالم الجليل أبو عبد الرحمن بن عقيل فهو ممن يطيب الحديث بذكرهم،وله في النفس تجلة وتقدير ولكن الحق أحب إلي منه، ولعل قوله نبرة انفعال ساقته إليها الكتابة المقالية،وإلا فمسألة أسوأ نظام وإدارة في تاريخنا من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى شواهد، ولعله لو روجع في هذا لما رضي بأن يؤخذ كلامه بهذه الحرفية.
وأختم المقال وفي النفس حسرة من مما فعل المشرف الكريم يزيدها أني لم أجد مناقشة علمية صادقة أين خزانة الأدب وأين المستبدة وأين عاشقة الضاد وأين الطائي أولئك الذين سبقوني إلى الكتابة في الموضوع لعلهم شغلوا بالاختبارات وفقهم الله.
والمسألة أوضح والله من أن تحتاج إلى كل هذا الحديث، وسواء أكثرنا من الحديث أو أقللنا فسبقى المتنبي ويذهب ما نقول.
ـ[بديع الزمان]ــــــــ[31 - 05 - 2005, 12:59 ص]ـ
هل تنبّأ أحمد بن الحسين؟
بادئ ذي بدء أودّ أن أزجي الشكر معطرا للأستاذ الأريب خزانة الأدب أن فتح لنا هذه النافذة الجميلة التي نطل من خلالها على علم فخم من أعلام الأدب العربي استحق في نظر الكثيرين التقديم والصدارة حتى لقبه البعض بـ (إمبراطور الشعراء) و (الشاعر الأسطورة) الوصفان السابقان عنوان كتاب عن المتنبي للشيح الدكتور:غائض القرني.
وهذه الصفحة نوع من الوفاء لهذه القمة الشماء وبالتالي فهو وفاء للغة الضاد التي صاغ المتنبي فرائده بلسانها المشرق المبين.
كما لا يفوتني أن أقدم الشكر لكل المتداخلين هنا فردا فردا لإثرائهم الحوار وتنويعهم الطرح وإن اختلفنا في الرؤية والتفسير وكل أولئك الرؤى المختلفة دليل مفحم وبرهان ساطع على أنه مالئ الدنيا وشاغل الناس وسيبقى للمتنبي هذا الحضور الحي ما بقي عربي ينطق الضاد.
منذ أن عرفت المتنبي وأنا لا أمل التردد على ديوانه وأجدني كلما قرأته أرجع بالجديد المحير حقا كما قال أستاذنا خزانة الأدب وشعوره هو نفس شعوري إذا ما أقبلت على المتنبي فقد تربع على قمة شاهقة لا يستطيع القرب منها سواه من الشعراء فلله درك يابن الحسين في مديحك المدهش ومثلك السائر وحكمتك البالغة وفرائدك الباهرة .......
من أهم القضايا العالقة بشخصية المتنبي قضية ادعائه النبوّة فهل ادعاها حقّا؟
يشكّ أبو العلاء المعري في ادعائه النبوّة فيقول: (وحدثت أنه كان إذا سئل عن حقيقة هذا اللقب: أي المتنبي قال هي: من النبوة أي المرتفع من الأرض.
وذهب البعض إلى أنّه إنما لقب بالمتنبي لبراعته الفائقة وتفوقه الذي لا يبارى في فنون الشعر وأراه تفسيرا واهيا متهالكا.
وقد نقل الرواة أنه ادعى النبوّة ونقل آخرون أنه تنحّل العلوية ودعا الناس إلى بيعته ولا سيما في البادية وقيل إنه سجن في حمص والكوفة لذينك السببين. ولا أرى أننا سنصل إلى قول فصل في هذه المسائل ولكن علينا أن نعاود قراءة شعره فربما خرجنا منه بقرينة أو إشارة ما إلى إحدى هاتين التهمتين وهكذا يمكن أن نستدل على شخصية الشاعر من شعره فلنقرأ قوله:
ما مقامي بأرض نخلة إلاّ =كمقام المسيح بين اليهود
أنا في أمّة تداركها الـ=له غريب كصالح في ثمودألا ترون معي أنّ البيتين السالفين كافيان لتلقيبه بالمتنبي وأنها إقرار بادّعاء النبوّة فهو يشبه نفسه بالنبيين الكريمين صالح وعيسى عليهما السلام.
إذن لا مناص ـ في نظري ـ من الإقرار بادعائه النبوة وإن كان ذلك في مرحلة مبكرة من عمره لم يكن فيها ناضج التفكير مستقر الرؤية يدعم هذا ما نعرفه عن المتنبي من أنه ذو نفس طماحة وروح بعيدة الأمل حاول الرئاسة و طمع في الإمارة في منعطفات حياته المتأخرة وبالذات تلك الفترة التي عاشها في مصر بين يدي كافور الإخشيدي.
أرجو أن يلج جميع الفصحاء إلى هذه الصفحة للحفاوة بالمتنبي.
¥