تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشعر له أساليب تخصه، لا تكون للمنثور، وكذ أساليب المنثور لا تكون للشعر، فما كان من الكلام منظوماً وليس على تلك الأساليب، فلا يسمى شعراً، وبهذا الاعتبار كان الكثير ممن لقيناه من شيوخنا في هذه الصناعة الأدبية يرون أن نظم المتنبي والمعري ليس هو من الشعر في شيء، لأنهما لم يجربا على أساليب العرب فيه ... ولا يكون الشعر سهلاً إلا إذا كانت معانيه تسابق ألفاظه إلى الذهن. ولهذا كان شيوخنا رحمهم اللة يعيبون شعر أبي بكر بن خفاجة، شاعر شرق الأندلس، لكثرة معانيه وازدحامها في البيت الواحد، كما كانوا يعيبون شعر المتنبي والمعري بعده النسج على الأساليب العربية كما مر، فكان شعرهما كلاماً منظوماً نازلاً عن طبقة الشعر، والحاكم بذلك هو الذوق 0 اهـ

فهذا نقد لابن خلدون في جانب بسيط من جوانب شعر المتنبي، فهل نسفه رأي ابن خلدون لأنه ذكر مالانوافقه عليه عن المتنبي!

أقول: لو ثبت خطأ ابن خلدون رحمه الله، فتاريخ المتنبي وشعره والمتنبي برمته لايساوي ورقة من مصنفات ابن خلدون 0

ونقل البغدادي في خزانته عن صاحب كتاب " إيضاح المشكل لشعر المتنبي": والإنسان إذا خلع ربقة الإسلام من عنقه، وأسلمه الله عز وجل إلى حوله وقوته، وجد في الضلالات مجالاً واسعاً، وفي البدع والجهالات مناديح وفسحاً.

ثم جئنا إلى حديثه وانتجاعه، ومفارقته الكوفة أصلاً، وتطوافه في أطراف الشام، واستقرائه بلاد العرب ومقاساته للضر وسوء الحال، ونزارة كسبه، وحقارة ما يوصل به، حتى انه أخبرني أبو الحسن الطرائفي ببغداد - وكان لقي المتنبي دفعات في حال عسره ويسره:- أن المتنبي قد مدح بدون العشرة والخمسة من الدراهم.

إلى أن قال:

وهو في الجملة خبيث الاعتقاد، وكان في صغره وقع إلى واحدٍ يكنى أبا الفضل بالكوفة من المتفلسفة، فهوسه وأضله كما ضل، وأما ما يدل عليه شعره فمتلون.

وقال بعض من شاهده: إنه لم تكن فيه فروسية، وإنما كان سيف الدولة سلمه إلى النخاسين، والرواض بحلب، فاستجرأ على الركض والحضر، فأما استعمال السلاح فلم يكن من عمله0

وجملة القول فيه: أنه من حفاظ اللغة ورواة الشعر، وكل ما في كلامه من "الغريب المصنف" سوى حرف واحد هو في "كتاب الجمهرة" وهو قوله:

يطوي المجلحة العقد

وأما الحكم عليه وعلى شعره: فهو سريع الهجوم على المعاني، ونعت الخيل والحرب من خصائصه؛ وما كان يراد طبعه في شيء مما يسمح به، يقبل الساقط الرديء كما يقبل النادر البدع. وفي متن شعره وهي، وفي ألفاظه تعقيد وتعويض" كلامه مع بعض اختصار.

وفي الموازنة للآمدي:

سئل أبو العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟ فأجاب: المتنبي وأبو تمام حكيمان، والشاعر البحتري. وسئل البحتري: أيكما أشعر؟ أنت أم أبو تمام؟ فأجاب: جيد أبي تمام خيرٌ من جيدي، ورديئي خير من رديئه. وقيل للبحتري يوماً: إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام، فقال: والله ما ينفعني هذا القول، ولا يضر أبا تمام، والله ما أكلت الخبز إلا به! ولوددت أن الأمر كما قالوا، ولكني والله تابع له، آخذٌ منه، لائذ به، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه.

وقال الذهبي في تاريخه:

قال المختار محمد بن عبد الله المسبّحي: لما هرب المتنبي من مصر وصار إلى الكوفة، ثم صار إلى ابن العميد ومدحه، فقيل إنّه وصل إليه منه ثلاثون ألف دينار، وفارقه ومضى إلى عضد الدولة إلى شيراز فمدحه، فوصله بثلاثين ألف دينار، وفارقه ومضى إلى عضد الدولة إلى شيراز فمدحه، فوصله بثلاثين ألف دينار، ففارقه على أن يمضي إلى الكوفة يحمل عياله ويجيء، فسار حتى وصل إلى النعمانية بإزاء قرية، فوجد أثر خيل هناك، فتنسّم خبرها فإذا هي خيل قد كمنت له لأنّه قصدها، فواقعوه فطعن، فوقع عن فرسه، فنزلوا فاحتزوا رأسه، وأخذوا الذهب الذي معه، وقتل معه ابنه فخشد وغلامه، وكان معه خمسة غلمان، وذلك لخمس بقين من رمضان سنة أربع وخمسين.

أقول: هذا تسول مابعده تسول، بل التسول التقليدي خير منه،لأن المتسول يستجدي من يتسوله بالدعاء له بالخير ولأهله ولأولاده، أما تسول المتنبي فكذب واحتيال من أجل المال، فهذا عمله وهذا دأبه وهذا مايحسنه،وخذ مثال على تسوله من شعره:

قد شرف الله أرضا أنت ساكنها ... وشرف الناس إذ سواك إنسانا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير