تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هاأنذا - في مشهد من مشاهد الانتحار - أحتسي السم الأبيض (الهيروين) وكأنه سلاح أبيض، أطعن به قلبي الأسود .. ولكن ما لجرح بميت إيلام.

أظلمت وجوه الناس في عيني .. وكشرت الدنيا عن أنيابها في وجهي .. فلم أجد سبيلاً إلا الهروب من نفسي التي تطاردني.

وللقصة بقية ... !

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[23 - 06 - 2010, 09:54 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:

لنتابع باقي القصة

وسافرت إلى الهند .. وإذا بدنياي البائسة - هي هي - تماماً كما لو أني لم أسافر.

وفي أحد شوارع الهند كنت أجلس مع ثلة من المدمنين .. وقد استنفد الهيروين كل ما أملك من النقود.

أتضور جوعاً .. أطلب شيئاً أسد به رمقي .. إذ أقبل أحد الهنود من رأس الشارع، وبيده قطعة من الخبز .. وما إن دنا مني حتى ألقى ما تبقى من الخبزة على الرصيف.

قلت في نفسي: الحمد لله جاء الفرج .. لكني ترددت .. أأمد يدي؟

أقلب طرفي .. وإذا أنا محاصر بنظرات الناس من حولي .. ولكن ماذا أفعل ولهيب الجوع يضطرم في أحشائي؟!!.

انتظرت هنيهة، وأنا أرمق الخبزة عن كثب .. أكاد ألتهمها بعيني الجاحظتين .. حتى حانت لحظة غفلة من الناس، فانسللت إليها منتهزاً الفرصة.

وفي هذه اللحظة كان جائع آخر قد بلغ منه الجوع ما بلغ مني .. فما إن رأى الوجبة حتى أسرع إليها، وخطفها، ثم انطلق بها عدواً بين المارة.

لم أتمالك نفسي فأطلقت ساقَيّ وراءه .. فما هو إلا أن رآني حتى زاد في سرعته .. وذيله القصير يضطرب وراءه.

انتبه الناس للمشهد الغريب .. كلب صغير يعدو .. ورجل مسعور يعدو خلفه.

لم أستطع مواصلة السباق .. فأهل المخدرات كما تعرفون من أفشل الرياضيين مهما عظمت أجسادهم .. فعدت أدراجي، أجر أذيال الهزيمة.

إنني الآن .. كلما أتذكر ذلك الموقف أشعر بالأسى والحزن .. كيف يرضى العاقل لنفسه هذه المنزلة من الذل والمهانة .. لكن عين الهوى عمياء.

وبعد أيام مريرة .. استطعت بشق الأنفس أن أعود إلى البلاد.

وبعد عودتي .. كنت اجتمع بزمرة من المدمنين في إحدى الشقق المشبوهة.

إبر الهيروين السامة بين أيدينا .. نطعن بها كل معنى جميل في ذواتنا .. وما هي إلا لحظات حتى نكون في عداد الموتى .. خشب مسندة .. حيوانات في صور بشر.

وفي رمضان الكريم!! كانت إحدى الجلسات الخبيثة .. تناولت إبرة الهروين، وطعنت بها جسدي .. فخررت مغشياً علي .. أسبح في عالم آخر.

نظر رفاقي إلي، فأسقط في أيديهم .. حركوا أعضائي المتشنجة فلم يجدوا حراكاً .. علموا أنه الموت لا محالة.

وتنازعوا أمرهم بينهم .. وأسروا النجوى: يالها من ورطة‍!! ماذا نفعل؟

فكّروا بغير عقولهم .. وبعد عدة مداولات أجمعت هيئة العقول المدمنة على التخلص منى بطريقة دبلوماسية.

وبدأت الإجراءات بتفتيش الجثة .. فانتزعوا من جيبي ما بقي من الهيروين، وصادروه لصالح الشقة - ويالها من غنيمة باردة - .. ثم حملوا الفارس على أعناقهم إلى أرض الله الواسعة.

وفي الشارع .. نظروا ذات اليمين وذات الشمال .. بحثوا عن مكان يليق بشخصي الكريم .. وإذا بحاوية كبيرة للنفايات على جانب الطريق.

أنزلوني فيها بكل رقة وحنان .. ودفنوني بلا غسل ولا أكفان .. ثم ودعوني، وعادوا إلى ما كانوا عليه، وكأن شيئاً لم يحدث.

مكثت في قبري ما شاء الله أن أمكث، ثم أفقت .. فتحت عيني وإذا أنا مسجّى في هذا المكان الغريب .. سألت نفسي: أين أنا؟ ما الذي حدث؟

وسرعان ما أتتني الإجابة في بقايا الأطباق الرمضانية التي تنهال على رأسي مع كومة النفايات .. بين الشوربة .. والمقليات .. والعصائر .. والحلويات.

حاولت أن أنوء بحملي الثقيل، وأخرج من هذا الركام .. ولكن دون جدوى .. فقد هدّ الهيروين قوتي، وشلّ أركاني، فلم يبق لي إلا التفاتة، أقي بها وجهي شظايا الركام الذي ينهال على رأسي بين الفينة والأخرى.

وبعد جولات من المصارعة المريرة دامت قرابة العشر ساعات .. استطعت التغلب على نفسي .. وخرجت من عنق الزجاجة.

لقد خرجت إلى الحياة من جديد .. ومع هذا فقد كان همي الأكبر في أمر هو أعظم عندي من الحياة .. أضع يدي بسرعة على جيبي .. أين الهيروين؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير