تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[ابوالوليد]ــــــــ[01 - 08 - 2003, 05:16 م]ـ

تاريخ ابن خلدون

الجزء الأول

(43 من 258)

اعلم أن لسان العرب وكلامهم على فنين في الشعر المنظوم وهو الكلام الموزون المقفى ومعناه الذي تكون أوزانه كلها على روي واحد وهو القافية. وفي النثر وهو الكلام غير الموزون وكل واحد من الفنين يشتمل على فنون ومذاهب في الكلام. فأما الشعر فمنه المدح والهجاء والرثاء. وأما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعاً ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة يسمى سجعاً ومنه المرسل وهو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقاً ولا يقطع أجزاء بل يرسل إرسالاً من غير تقييد بقافية ولا غيرها. ويستعمل في الخطب والدعاء وترغيب الجمهور وترهيبهم. وأما القرآن وإن كان من المنثور إلا أنه خارخ عن الوصفين وليس يسمى مرسلاً مطلقًا ولا مسجعاً. بل تفصيل آيات ينتهي إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلام عندها. ثم يعاد الكلام في الآية الأخرى بعدها ويثنى من غير التزام حرف يكون سجعاً ولا قافية وهو معنى قوله تعالى: " الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم " وقال: " قد فصلنا الآيات ". وتسمى آخر الآيات فيه فواصل إذ ليست أسجاعاً ولا التزم فيها ما يلتزم في السجع ولا هي أيضاً قواف. واطلق اسم المثاني على آيات القرآن كلها على العموم لما ذكرناه واختصت بأم القرآن للغلبة فيها كالنجم للثريا ولهذا سميت السبع المثاني. وانظر هذا ما قاله المفسرون في تعليل تسميتها بالمثاني يشهد لك الحق برحجان ما قلناه. واعلم أن لكل واحد من هذه الفنون أساليب تختص به عند أهله لا تصلح للفن الآخر ولا تستعمل فيه مثل النسيب المختص بالشعر والحمد والدعاء المختص بالخطب والدعاء المختص بالمخاطبات وأمثال ذلك. وقد استعمل المتأخرون أساليب الشعر وموازينة في المنثور من كثرة الأسجاع والتزام التقفية وتقديم النسيب بين يدي الأغراض. وصار هذا المنثور إذا تأملته من باب الشعر وفنه ولم يفترقا إلا في الوزن. واستمر المتأخرون من الكتاب على هذه الطريقة واستعملوها في المخاطبات السلطانية وقصروا الاستعمال في هذا المنثور كله على هذا الفن الذي ارتضوه وخلطوا الأساليب فيه وهجروا المرسل وتناسوه وخصوصاً أهل المشرق. وصارت المخاطبات السلطانية لهذا العهد عند الكتاب الغفل جارية على هذا الأسلوب الذي أشرنا إليه وهو غير صواب من جهة البلاغة لما يلاحظ في تطبيق الكلام على مقتضى الحال من أحوال المخاطب والمخاطب. وهذا الفن المنثور المقفى أدخل المتأخرون فيه أساليب الشعر فوجب أن تنزه المخاطبات السلطانية عنه إذ أساليب الشعر تباح فيها اللوذعية وخلط الجد بالهزل والإطناب في الأوصاف وضرب الأمثال وكثرة التشبيهات والاستعارات حيث لا تدعو لذلك كله ضرورة في الخطاب. والتزام التقفية أيضاً من اللوذعة والتزيين وجلال الملك والسلطان وخطاب الجمهور عن الملوك بالترغيب والترهيب ينافي ذلك ويباينه. والمحمود في المخاطبات السلطانية الترسل وهو إطلاق الكلام وإرساله من غير تسجيع إلا في الأقل النادر. وحيث ترسله الملكة إرسالاً من غير تكلف له ثم إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فإن المقامات مختلفة ولكل مقام أسلوب يخصه من إطناب أو إيجاز أو حذف أو إثبات أو تصريح أو إشارة وكناية واستعارة. وأما إجراء المخاطبات السلطانية على هذا النحو الذي هو على أساليب الشعر فمذموم وما حمل عليه أهل العصر إلا استيلاء العجمة على ألسنتهم وقصورهم لذلك عن إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فعجزوا عن الكلام المرسل لبعد أمده في البلاغة وانفساح خطوته. وولعوا بهذا المسجع يلفقون به ما نقصهم من تطبيق الكلام على المقصود ومقتضى الحال فيه. ويجبرونه بذلك القدر من التزيين بالإسجاع والألقاب البديعية ويغفلون عما سوى ذلك. وأكثر من أخذ بهذا الفن وبالغ فيه في سائر أنحاء كلامهم كتاب المشرق وشعراؤه لهذا العهد حتى إنهم ليخلون بالإعراب في الكلمات والتصريف إذا دخلت لهم في تجنيس أو مطابقة لا يجتمعان معها فيرجحون ذلك الصنف من التجنيس. ويدعون الإعراب ويفسدون بنية الكلمة عساها تصادف التجنيس. فتأمل ذلك وانتقد بما قدمناه لك تقف على صحة ما ذكرناه. والله الموفق للصواب بمنه وكرمه والله تعالى أعلم. في أنه لا تتفق الإجادة. . في فني المنظوم والمنثور معاً إلا للأقل والسبب في ذلك أنه كما بيناه ملكة في اللسان فإذا سبقت إلى محله ملكة أخرى قصرت بالمحل عن تمام الملكة اللاحقة. لأن قبول الملكات وحصولها للطبائع التي على الفطرة الأولى أسهل وأيسر. وإذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعة لها في المدة القابلة وعائقة عن سرعة القبول فوقعت المنافاة وتعذر التمام في الملكة .............

ـ[عاشقة الفصحى]ــــــــ[01 - 08 - 2003, 08:24 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم ..

بوركت الأنامل ولا حُرمت َ الأجر ..

إضافة أكثر من قيمة ..

وتبقى روحي ظمأى لردود في هذا الموضوع ..

شكرا ً لك ... ،،

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير