تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الغذامي فقد رأي في تعريف الخليل ما يمكن تطبيقه على كل نهاية في أي جملة مفيدة، فهي لا بد وأن تنتهي بساكنين بينهما أي عدد من الحروف والحركات، ولم يجد في التعريف إلى ما يشير إلى لزوم التكرار في حروف أو حركات معينة منها.

وفي رأيي أن الخلل الذي لمحه ابن جني في التعريف الكوفي كان يجب أن يتصل بنوع التكرار الذي يحدث للحروف والحركات في القافية؛ إذ ليست كل الحروف والحركات من قبيل ما يتكرر بعينه فقط، وإنما منها الذي يتكرر بحسب نوعه كالدخيل، فلا بد أن يكون موضعه أي صامت من الأصوات متبوع بحركة. ومنها أيضا الردف، وفيه تتقارض الواو والياء، ولا تجتمع معهما الألف لأنها، بسبب من اختلاف عدد ذبذباتها، خرجت وحدها نوعا مختلفا. ومن هنا يبدو لي أن تعريف الفارابي الذي ذكره في كتاب جوامع الشعر، يكمل النقص في التعريف الكوفي، قال: " وكثير منهم يشترطون فيها مع ذلك تساوي نهايات أجزائها، وذلك إما أن تكون حروفا واحدة بأعيانها أو حروفا ينطق بها في أزمان متساوية (7) ". وأعتقد أنه يقصد بالحروف التي ينطق بها في أزمان متساوية أنواع الصوت اللغوي الأربعة وهي: الحركات القصيرة والطويلة والصوامت وأنصاف الصوامت، وإن لم يبين لنا الفارابي أيا من هذه الحروف ما يتكرر بعينه، وأيا منها الذي ينطق به في أزمان متساوية.

عرض التعريفات الثلاثة على مثال تطبيقي:

قال بعضهم:

تخضب كفا بُتِكَت من زَندها

فتخضب الحنّاء من مسودّها

كأنها والكحل في مرودّها

تكحل عينيها ببعض جلدها

قال المرزوقي في شرح الحماسة: وقوله في مرودّها، استقبح الزحاف فشدد الدال، ومثله:

تعرّض المهرة في الطِّوَلِّ

والتقط هذا القول شارح آخر هو الإستراباذي فخفف الدال، وقال: "والذي رويناه بالتخفيف لا يلزم التشديد لأن مفتعلن مطوي مستفعلن يجري في الرجز مجرى الأصل، وليس كذلك الطول لأنه لو ترك التشديد لاختل الوزن".

قال د. عبد الله عسيلان: "وعقب أبو الرضا الراوندي على ذلك ذاهبا إلى أنه لا بد من تشديد المرود، وإلا اختلت القافية؛ لأن ما قبل الدال من كل بيت ساكن، فلو خففت كان ما قبل الدال من مرودها متحركا، وهذا لا يجوز، فأما الوزن فإنه لا يختل (8) ".

فلنعرض هذا القول إذن على أصحاب التعريفات لنرى رأيهم في مكونات هذه القافية. أما الخليل فقوافي هذه الأبيات عنده هي: زندها، ودّها، مِرْوَدِها، جلدها. ومرودها على الأصل هي مفتعلن، وهي زحاف مقبول لمستفعلن، فما الداعي إذن لتشديد الدال فيها؟ ثم إنا لا نجد قبل الروي حرف مد ولين يكون ردفا فيلتزم، ولا حركة تعد من التوجيه لأن الروي مطلق، وإذن فصنيع الإستراباذي في تخفيف الدال على الأصل مقبول عند الخليل.

وأما أصحاب التعريف الكوفي فهم لا يرون من هذه القافية إلا حروفا ثلاثة تتكرر هي الدال والهاء والألف، ولهذا فهم لا يرون بأسا من تخفيف مرودها. فإذا عرضنا الأمر على الفارابي وجدناه يقترب أكثر ممن سبقوه إلى رأي الراوندي القائل بالتشديد لأن "ما قبل الدال من كل بيت ساكن" وعليه يلزم النطق بهذه السواكن في أزمان متساوية، ونظنه لهذا يوافق الشاعر على تشديد الكلمة على الضرورة مراعاة للتوازن في القافية.

من هنا نخلص إلى وجوب صياغة تعريف للقافية يجمع بين التعريفات الثلاثة الماضية فنقول إنها: حرف الروي وما قد يليه من أصوات، مع نوع الصوت الذي يسبق الروي، ولنسمه الردف توسعا في المصطلح. فإذا كان هذا الردف حركة قصيرة، وكان ثاني صوت يسبقه ألف مد، التزم هذان الصوتان بعينهما، وليس بنوعهما فقط (9).

وفي الرجز السابق، القافية هي: الدال والهاء والألف مع الردف وهو الحرف الساكن قبل الروي، ولا شيء غير ذلك.

حول أقسام القافية:

أفرز التعريف الخليلى للقافية عددا من التقسيمات يختلف باختلاف عدد الحركات بين الساكنين الأخيرين في البيت فصار لدينا خمسة أقسام أسماؤها كالتالي:

1 - المتكاوس: وهو ما توالت فيه أربع حركات، نحو قوله:

قد جبر الدين الإ/لهُ فَجَبَرْ

2 - المتراكب: ما توالت فيه ثلاث حركات نحو قوله:

أخبّ فيـ/ـها وأضَعْ

3 - المتدارك: وهي ما توالت فيه حركتان نحو قوله:

يا ليتني فيـ/ـها جذَعْ

4 - المتواتر: وهي ما وقع فيه حرف متحرك بين الساكنين الأخيرين، نحو قوله:

يا طلل الحي بذا/ت الصمًدْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير