تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تتساءل مالينج هنا: لماذا لم يوجد بحران على النسقين 3، 5؟ ثم تتذكر أن العروضي الوحيد الذي حاول الإجابة على هذا السؤال هو فايل Weil وذلك بالقانون الذي وضعه، وهو أنه "لا يتوالي في أي نسق وتدان، وإنما يجب أن يفصل بينهما سبب أو سببان على الأكثر". ومع أنها لا ترى في هذين البحرين المهملين ما يتعارض مع قانون فايل، إلا أن القانون يظل بذاته صحيحأ. وتتجه إلى النظر في تقطيع الأنساق إلى تفاعيل، لتعود إلى الاستناد من جديد إلى قانون فايل ولتجد أن التقطيع الذي لا يكتنفه غموض هو التقطيع الذي وضعه الخليل للطويل والبسيط فقط. وتقول أن من الشيق أن يكون هذان البحران، اللذان لا يقبلان التقطيع على أي وجه آخر، هما من أكثر البحور استعمالا ودورانا على ألسنة الشعراء. وأما بحر المديد فقد جعل له الخليل التقطيع التالي:

(س و س) (س و) (س و س) مع حذف التفعيلة الأخيرة في النسق الدائري. ومع ذلك فهي ترى إمكان تقطيعه بطريقتين مختلفتين أخريين، الأولى:

(س و) (س س و) (س و س) والثانية: (س و س) (س و س) (و س). وهي تقر بأنه من بين هذه النماذج الثلاثة يبقى نموذج الخليل في تقطيع المديد أكثرها اتساقا وسيمترية symmetric . وتقول إن التقطيعات المختلفة يمكن أن تؤدي إلى اختلاف في التنبؤ بالتغييرات المسموح بها في الوزن المعين بناء على ما يمكن أن ينتج في البحر من تفعيلات من نحو مستفعلن في مقابل مفاعيلن أو فاعلاتن. ومع ذلك ترى مالينج أته ما لم يتوفر للمديد من يحلله تحليلا طبيعيا فإن ذلك البحر سيبقى ظاهرة شاذة في نظام العروض العربي.

وتنتقل بعد ذلك إلى مناقشة تقطيع البحرين الأخرين المهملين في هذه الدائرة، لتجد أن الأول منهما يمكن تقطيعه بطريقتين، الأولى:

(و س س) (و س) (و س س) (و س) والثانية: (و س) (س و س) (و س) (س و س)

وأما البحر المهمل الثاني فيمكن أيضا تقطيعه بطريقتين، الأولى: (س و س) (و س) (س و س) (و س) والثانية:

(س و) (س و س) (س و) (س و س).

ومرة أخرى تجد أن فرايتاج هو العروضي الوحيد الذي ذكر اسمي هذين البحرين المهملين، فالأول هو (المستطيل) وتفاعيله: مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن والثاني هو (الممتد) وتفاعيله: فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

وقد ذكر فرايتاج شاهدين من أشعار محمد عطا الذي اشتهر بنظمه على أوزان عديدة، فمما جاء على المستطيل قوله:

بديع بالجمال * تعلى بالتعالي

فلا شبه له في * أناس بالمعالي

ومما جاء على الممتد قوله:

ليت شعري هواه يصلح المكتوي

ويزيل عذابي ويقيم القبول

والظاهر أن هذا الشاعر فارسي مستعرب، ذلك أن مالينج تقر بأن هذين البحرين مصطنعان، وأنه لم ينظم عليهما أحد من الشعراء العرب المعروفين.

إن هذا الموضوع، سواء منه ما تعلق بإعادة تقطيع المديد، أو اقتراح تقطيع آخر للبحرين المهملين: المستطيل والممتد، لا يقع في اهتمام العروض الرقمي لسبب بسيط أنه لا يعترف بالحدود بين التفاعيل، ولا يشكل أي فرق لديه شكل التفعيلة الناشئ عن زحزحة حدودها يمينا أو يسارا. أما عند الخليل فقد كان للتفاعيل دور أساسي في إبراز الإيقاع الشعري على نحو بصري وسمعي. فبالإضافة إلى بنائه الأوزان البسيطة على تكرار التفعيلة الواحدة، فإن بناءه للأوزان المركبة كان تقوم في جانب منه على التفعيلات المتجاوبة، وفي جانب آخر على التفعيلات المختلفة، وكان سبيل الخليل في إبراز هذا الإيقاع هو الاهتمام بتحديد عمارة البيت بطريقة هندسية فائقة. هكذا كان توزيع التفعيلات في الدائرة الثانية من الخماسي إلى السباعي كما في الطويل، وقد يكون من السباعي إلى الخماسي كما في البسيط، وهنا يتدخل الخليل في اختيار أحد الشكلين بطريقة تحكمية تناسب مقصده. فالمديد يمكن تقطيعه على النحو:

1 - فاعلاتن فاعلن فاعلااتن فاعلن * فاعلااتن فاعلن فاعلاتن فاعلن

أو على النحو:

2 - فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن * فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

واختار الخليل التقطيع الأول لأن قاعدة الجزء عنده تنطبق على هذا النسق بإسقاط (فاعلن) وحدها، بينما لا يتيسر ذلك بإسقاط (فاعلاتن) من النسق الثاني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير