تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تناولوا شيئاً من الفاكهة الطازجة وبعض الخضر والمرق والفطر المشوي، ثم انهمكوا في تركيب المحول الكهربائي. وكان إهيكاواتا قد ربط الأنتينا فوق شجرة الموز تلك، ومد منه سلكاً طويلاً يصل إلى جهاز البث داخل الكوخ .. بينما انهمك كريم بضبط موجة البث على الذبذبة التي أشار له عليها (جندر) .. وانهمك الاثنان معاً في ضبط التوليف وتجهيز البث وتشغيل المحول وإجراء بعض التجارب .. ولم يتفطنوا إلى اختفاء غيوم بعيداً عن الكوخ إلا بعد مدة من الزمن.

لم يكن لغيوم على الشاطئ أي أثر!!

أحس كريم أنها قد ابتعدت فعلاً عن الكوخ، فبدأ هو والغلام بالبحث عنها في المناطق المجاورة للكوخ دون فائدة!! ثم عادا سريعاً للكوخ ...

حمل كريم البندقية .. بينما حمل إهيكاواتا فأساً معقوف الطرف يستخدمه الصيادون عادة لتقطيع الأحراش الكثيفة .. وانطلق كل منهما في اتجاه ..

ذهب كريم بمحاذاة الشاطئ، بينما اخترق الغلام الأحراش واختفى داخل الغابة، وبدأ كل منهما ينادي على غيوم بصوت مرتفع: " غيووووم " " أين أنتِ غيووووم!!

مضت دقائق طويلة، وبطيئة جداً على الاثنين وهما يبحثان عن غيوم في كل مكان .. وقد اتفقا على أن يلتقيا عند حافة بحيرة صغيرة وسط الغابة تحت جبل أسود يبعد عن الكوخ مسافة نصف ساعة تقريباً، اعتادت غيوم الذهاب إلى هناك لجلب ماء الشرب ..

ثم، فجأة انطلقت رصاصة وسط الأشجار مزقت سكون الغابة ونواحي الشاطئ في هذا الصباح الهادئ .. يبدو أنها انطلقت من بندقية قوية من بنادق الصيد الكبيرة إلا أنها قطعاً لم تكن من البندقية التي في يد كريم!! فقد انطلق بسرعة البرق باتجاه مصدر الصوت كالمجنون ويحطم بطريقه كل غصن أو شجيرة تعترض طريقه .. كما اتجه إهيكاواتا أيضاً وبنفس الفزع والسرعة باتجاه مصدر الصوت .. بينما ملأت السماء أسراب ٌ من الطيور بكل اتجاه!!! لقد أحس الإثنان أن صديقتهما في خطر .. !!!

وصل كريم أولاً .. وحين وصل رأى منظراً أفزعه!!

كانت غيوم قد انحشرت داخل حفرة يغطي الماء فيها منتصف بطن غيوم تقريباً، وحافات الحفرة من الصخر الأملس وقد نبتت عليها الطحالب بغزارة، ويتسرب الماء إلى الحفرة من بحيرة كبيرة أعلاها كانت غيوم على ما يبدو تسبح فيها قبل أن يهاجمها وشقان جائعان (من فصيلة السنوريات) ويضطراها للوقوع داخل الحفرة في مطاردة عنيفة للفريسة .. وقد وقف الوشقان على حافة الحفرة، يحاولان اغتنام الفرصة والانقضاض على غيوم من جديد، وغيوم تحاول الوصول إلى سكينها الحادة وسط أغراضها وملابسها هناك على حافة البحيرة بمكان ليس ببعيد عنها لو هي نجحت في الإفلات من بينهما ..

وكان مزارع عجوز مار بالصدفة من هنا فرأى الموقف المخيف , ولكن لضعف بصره؛ لم يستطع أن يصيب أياً من الوحشين الضاريين، وإنما أفزعهما قليلاً ومنح غيوم بعضاً من الوقت للنجاة.

سدد كريم بندقيته فوراً إلى رأس أقرب الوشقين إلى غيوم وأكثرهما شراسة، ثم ثبت مرمى الهدف بدقة حتى لا يخطئ الرمية، ثم أطلق رصاصة واحدة استقرت وسط رقبة الوحش أردته قتيلاً على الفور وسقط في الحفرة مع غيوم، بينما كان فأس إهيكاواتا أكثر دقة من رصاصة كريم؛ فقد انغرس وسط رأس الوشق الثاني أرداه قتيلاً هو الآخر. ثم ماهي إلا ثوانٍ معدودات حتى اجتمع الاثنان على حافة الحفرة بينما كان العجوز يلوح لهم من بعيد بيده يودعهم بعد أن اطمأن على سلامة الفتاة.

أمرت غيوم الاثنين بالابتعاد قليلاً عن المكان ريثما تلبس ملابسها وأن يغمضا عينيهما بشدة

أو يديرا ظهريهما.

أدار كريم والغلام ظهريهما واستقبلا البحيرة أمامهما في انتظار غيوم أن تفرغ من لبس ملابسها، إلا أنها الماكرة لم تكن تستغرق كل هذا الوقت في اللبس؛ بل كانت تخطط لحيلة جديدة؛ فحين وصلت إليهما من الوراء دفعتهما معاً داخل البحيرة بشقاوة مقصودة، وأخذت تضحك من منظرهما الذي يدعو للشفقة، وكلما حاول أحدهما الخروج من الماء للإمساك بها أو سحبها معهم داخل البحيرة، كانت تدفعه بقوة وتدوس على أطراف أصابعه بباطن قدميها

كان منظرهم جميعاً وهم يمرحون هكذا يشعرك بأنهم قد نسوا تماماً موقف الوشقين الضاريين قبل دقائق!!! وكأن هذه الفاتنة لم تكن قبل قليل عرضة لأن تكون وجبة دسمة لهما، لولا عناية الله وتدخل أصدقائها الحميمين ...

لقد نسوا الموقف تماماً – أو هكذا يتظاهر كل منهم - , ونسوا كذلك جهاز البث هناك على الشاطئ الذي دبت فيه الحياة فجأة وبدأ يلتقط موجات بث بعيدة وضعيفة .. وعلى فترات متقطعة لا تكاد تدوم إلا لثوان ٍ معدودة، وليس حوله أحد يرسل نداء استغاثة، أو يجيب على النداءات المتكررة!!

يبدو أن المكان قد أعجب الجميع وراق لهم هنا في وسط الغابة وانتهزوها فرصة لبعض الترفيه البريء بصبيانية مقصودة، ولم يشعرو برغبة في مغادرة المكان والعودة إلى الكوخ.

وبينما هم كذلك يسبحون في البحيرة إذ توقف كريم عن اللعب والسباحة، واستند آخر البحيرة على ظهر صخرة ملساء عظيمة، وراح من بين بلل الماء على عينيه يتأمل الفاتنة التي غزت أرض قلبه وتسللت إليها بهدوء وهي تسبح بكل براءة مع الغلام.

لقد أحب هذه الفاتنة بكل جوارحه ومشاعره، وأحب الغلام، والجزيرة والمزرعة .. بل وحتى الدجاجات والبقر، وأحب الشاطئ، والكوخ، وحياة الجزر بكل صفائها ونقائها ورونقها وجمالها ..

وبات يشعر برغبة جامحة في نفسه بالاستقرار هنا في هذه الجزيرة مع غيوم. بل إن لحظة خروجه من هذه الجزيرة قد تحولت في نفسه من لحظة جميلة مرتقبة كانت ترتسم في خياله كل يوم، إلى لحظة مريرة قاتلة قد تقضي على كل آماله وأحلامه، وبات مجرد تخيل أنه لن يراها بعد الآن؛ هاجس يقلقه ويعصر قلبه، ويهدده بعاصفة هوجاء تعصف بكيانه وكل أرجاء أحاسيسه .. وتقتلع في الوقت نفسه كل شعور ٍ من رواسيه مكين.

ولم يتفطن أنه استغرق في التفكير طويلاً إلا عندما فقدهما فجأة!!

وقد ساد صمت رهيب في أرجاء البحيرة!!!!!

غريب،إنهما ليسا هنا في البحيرة!! أين هما إذن؟؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير