تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أجابه كريم أنها اضطرت للذهاب لرؤية أمها التي تحتضر .. ثم سكت كريم وانهمك الاثنان بتناول وجبة العشاء المبكرة، وبشهية غير مفتوحة تضامناً وجدانياً مع صديقتهم التي غادرت ولم تتناوله معهم.

وبينما هما صامتان، إذ فاجأ كريم الغلام بقوله: " ناكو .. .. بينديا "؟؟ ثم ترقب تأثيرها في وجهه .. تفاجأ إهيكاواتا فعلاً وظهر عليه تأثير هذه الكلمة .. ثم أطلق ضحكة في الهواء!!

نظر إليه كريم في ذهول ثم سأله عن معنى هذه الكلمة؟؟

توقف إهيكاواتا عن الضحك ثم وضع يديه على صدره وقال: " إهيكاواتا ناكوبينديا كريم "

ثم تبسم بدهاء وقال: " غيوم ناكوبينديا كريم" وكأنه يعرف الذي بينهما.

تأكد كريم أن كلمة " ناكوبينديا " تعني " أحبك " ثم استرجع بالذاكرة ووجهه يتبسم كيف قالتها غيوم بطريقتها العذبة .. ولم يمنعها انشغال بالها على أمها من أن تنطق له بها في ظرف كهذا .. ثم التفت إلى الأفق يشيح بوجهه عن الغلام وأغمض عينيه، وأخذ يمضغ حرارة الإحساس الذي تسرب إلى جوفه مع قطع الأرنب المشوي الذي في فمه .. وكأنه الآن قد وُلد ..

وكأنه الآن فقط ذاق طعماً جديداً وفاتناً للحياة ..

رغم أنه يعلم يقيناً مشاعرها تجاهه من قبل .. ويعلم أيضاً مشاعره تجاهها؛ إلا أنها المرة الأولى التي تواجهه بها دون خجل.

يبدو أن ثورة الإحساس في جوف تلك الأنثى قد أنطقت لسانها المعقود، فخرجت بعض كلماتها ثائرة هائجة لم يجرؤ أحد على كبحها ..

ولا حتى غيوم نفسها.

* * * * * * *

تسارعت قطرات المطر بالنزول على جميع نواحي الجزيرة .. ثم ما لبثت السماء أن تلبدت بالغيوم الثقيلة، وتجاذبت أصداء الجبال العالية زمجرة الرعود والصواعق هنا وهناك .. ثم تتابعت زخات المطر بغزارة إلى الأرض فاضطر كريم ورفيقه أن يحتميا من البلل داخل الكوخ ثم أغلقا الباب وراءهما.

قضى كريم أغلب ليلته ساهراً يصارع كماً هائلاً من الرغبات والمشاعر المتناقضة ..

تارة تخف في نفسه الرغبة بالرحيل و يقرر البقاء هنا مع غيوم .. وتارة تتأجج في نفسه الرغبة والإصرار على الرحيل مهما كان الثمن، على أمل منه أن الزمن القادم سيكون كفيلاً بأن يمحي من ذاكرته كل شيء عن هنا .. حتى غيوم، إن هو بالتأكيد رحل عن هنا ونجح في الإفلات من قبضة الحب ..

لكن الغلبة كانت لصالح نداء الفطرة وحبه المفرط لأمه المشلولة وأباه وأخته المدللة ووطنه

ولم يكن يملك أمام هذا الجيش المتراص من الشخصيات المحببة إليه، إلا غيوم .. وقلبه الذي بدأ ينحاز وبقوة تجاه الجزيرة، وفاتنتها الساحرة.

وهو يشعر بقرارة نفسه أنه لا مجال على الإطلاق في أن يجمع العالمين معاً في مكان واحد ويعيش معهما في ذات الوقت .. فإما الجزيرة وغيوم .. وإما أهله ووطنه.

حين أعياه السهر والتعب وهو منزوٍ على كرسيه بناحية الكوخ بعد أن نام الغلام، سكن قليلاً مع سكون قطرات المطر، ثم بدأ يغط في النوم غطات متتاليات، لا يوقظه

إلا صوت الصواعق التي تفجأه مرة بعد أخرى حين ينام.

ثم نام أخيراً نومة عميقة حتى اقترب الصباح.

ولم يستيقظ إلا على صوت إهيكاواتا يهز كتفه برفق على أثر وصول نداء يأتي بشكل متقطع وخافت من الجهاز وبلغة لم يفهمها الغلام ... ولذلك أيقظه!!

ـ[الحب خطر]ــــــــ[13 - 01 - 2005, 11:31 ص]ـ

الجزء الثالث عشر

.

استيقظ كريم كالمجنون ثم بدأ يلاحق الموجة ..

نعم .. نعم، سمعتها ...

قالها لصاحبه وهو يفرك عينيه بيديه ويعدل من جلسته ثم بدأ يضبط المؤشر الحساس ويكرر النداء: " ألو .. ألو .. هل تسمعني؟؟

مَن هناك .. ؟؟ هل تسمعني؟؟ "

ثم يسكت الجهاز برهة من الوقت ثم تظهر عبارات ضعيفة للغاية، ومتقطعة .. و بالكاد تفهم وكأنها أقرب ما تكون إلى اللغة الفارسية أو العربية!!!

إستبشر كريم كثيراً بهذا الإنجاز الذي تحقق .. - أو بدأ يتحقق - واشتعلت جذوة الأمل في قلبه من جديد، وراح يكرر دون انقطاع عبارات الاستغاثة وطلب النجدة، مرة بالعربية .. ومرة بالفرنسية .. ومرة بالإنجليزية .. بل ويشاركه إهيكاواتا بلغته الساحلية أيضاً، لعل وعسى أن تبلغ أحداً ما .. هناك في عمق المحيط فترشدهم إلى موقعه في هذه البقعة المنزوية من العالم بعيداً عن ممرات السفن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير