تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حاول والد كريم أن ينهض من مكانه بصعوبة لثقل وزنه وطوله الفارع، إلا أن غيوم عاجلته وانحنت وتناولت يده فقبلتها بأدب ظاهر قبل أن يتحرك من مكانه، ولم تنطق الفاتنة بحرف واحد بعد. فقد أخرست مشاعر الوداع لسانها وأعجزته عن الحركة.

ثم عرفها كريم على أخته (رغد) ...

دنت منها غيوم بلطف وقبلت جبينها بحنان ظاهر على طقوس أهل الجزر وطريقتهم في السلام

عرفها بالقائد سميع الرحمن ـ الذي حياها بطريقة هندية مضحكة في شيء من الدعابة والإنحناء ـ وهو يتبسم ..

ثم وقفت غيوم وجهاً لوجه أمام شابة بيضاء جميلة تتطاير من عينيها نظرات غريبة رغم ثبات ملامح وجهها (أو ربما كانت تتظاهر بذلك)، وكانت غيوم تشعر بفطرتها الأنثوية أن هذه الشابة رغم أدبها، لن تكون مرحباً بها بدرجة كافية في عالم غيوم؛ فيما إذا كانت ستنافسها على شيء من كريم ..

قطع عليهما كريم تبادل النظرات الحارة وهو يقول: وهذه "سيرين "؛ زميلتي في الشركة التي أعمل فيها (ثم غمز بعينه وهو يقول بالإنجليزية: وهي التي أقنعتني بركوب السفينة حتى تتخلص مني بهدوء ثم أطلق ضحكة قصيرة) ..

صافحتها غيوم بخجل وتواضع ثم مرت من أمامها ومر من أمامها إهيكاواتا أيضاً لكن دون أن يصافحها!!!!

لقد صدق المسكين ببساطته وسطحيته أنها كانت بالفعل تنوي قتل صديقه كريم.

* * * * * * * *

كان جميع من في الكوخ ينظر إلى هذه الفاتنة الصامتة وهي توزع الابتسامات الصفراء وكأنها تحفة بشرية نادرة تمشي على الأرض، وقد أسرت الجميع بجمالها الطاغي وعذوبة ملامحها الآسيوية المشبوبة بحمرة أهل الجزر وعنفوانهم وقوة إرادتهم ..

ورغم أن الخجل الشديد، والشعور بالحرج والارتباك كان ظاهراً بوضوح على محياها؛ إلا أن ذلك الأمر _ إضافة إلى رهبة الموقف _ لم يمنعاها من أن تأخذ بيد كريم في زاوية من زوايا الكوخ ..

ثم همست بكلمات ساحلية متلعثمة لم يفهم منها حرفاً واحداً ثم انطلقت خارج الكوخ وسط دهشة الجميع!!!

وقبل أن يهم إهيكاواتا باللحاق بها، استوقفه كريم وقد أمسك بيده وسأله بالإنجليزية: " ماذا كانت تقول "؟

_ إهيكاواتا: قالت " أمي تحتضر كريم "

ثم خرج مسرعاً على أثر غيوم!!!

لم يكن إهيكاواتا يعرف بالتحديد سبب صمت غيوم .. ولم يكن في سن يسمح له بشكل أكيد أن يفهم نفسية الأنثى وعقليتها المعقدة، خصوصاً حين تكون المسألة تتعلق بقلبها ..

إلا أنه يفهم جيداً أن الأمر يتعلق برحيل كريم، وبشكل أو بآخر يتعلق بمصيرها هي حين يقرر الرحيل عن الجزيرة بلا رجعة.

هذا كل الذي يعرفه الآن .. ثم كف عن التفكير وراح يتبع غيوم بين الأشجار والصخور في صمت كامل حتى وصلا القرية.

* * * * * * *

كانت ملامح وجه كريم لا تغيب عن عيني غيوم وهي تتلمس في شرود ذهني مطبق خطواتها بحذر بين الصخور وممرات الجبال ..

وكانت ترى قسمات وجهه ترتسم لها على كل صخرة تصادفها.

بل إنها تراه يتبسم إليها بين الأغصان وترى ظله في كل منعطف ..

وقد استقر في أعماق نفسها أنها ستراه ثانية ً، وأن شعوراً غامضاً يصرخ في أعماقها الآن يؤكد لها أنه لن يرحل عن الجزيرة رغم كل شيء ..

أو أنه لو رحل؛ فإنه حتماً سيعود.

ربما كانت تمارس مع نفسها نوعاً مبتكراً من تخدير المشاعر قبل الصدمة، أو ربما أنها تحاول ابتكار مثبط بارد من بين براثن أحاسيسها الملتهبة ... من يدري؟؟

* * * * * * * * *

حين وصلت مشارف القرية قبيل منتصف الليل؛ شعرت بانقباض غريب في عضلة قلبها لا تدري ما سببه!؟ وراحت دقات قلبها تتسارع أكثر فأكثر!!

كانت تسير بخطى متثاقلة بين بيوتات القرية الحجرية المتناثرة بين الحقول، وإهيكاواتا يتبعها كحارس أمين، إلا أن النعاس – فيما يبدو – كان يتسبب في ارتطام رجليه بصخرة هنا أو جدار هناك، وتنغمس أحياناً ببعض بقع الماء التي تكونت على أثر المطر الغزير الذي هطل على القرية هذا الصباح.

إقترب الاثنان من حي فقير لاح لهما من بعيد في أسفل الوادي، ثم سرعان ما لفت انتباههما أن عدداً من سكان القرية يقفون مصطفين في طابور طويل لا يرون طرفه الأول؟؟ وكل واحد منهم يحمل في يده مشعلاً تتراقص جذوته في الهواء الساكن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير