تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهبته هيبة شديدة، وقلت له: إن لي إليك حاجة

قال: وما هي؟

قلت: أكون صاحباً لك

قال: لست من أصحابي

فكان ذلك أشد عليّ وأعظم مما صنع، فلم أزل أطلب صحبته حتى قال: ويحك أتدري أين أريد؟

قلت: لا والله

قال: أريد الموت الأحمر عياناً

قلت: أريد الموت معك

قال: امض بنا

فسرنا يومنا أجمع حتى أتانا الليل ومضى شطره. فوردنا على حي من أحياء العرب

فقال لي: يا عمرو في هذا الحي الموت الأحمر فإما أن تمسك عليّ فرسي فأنزل وآتي بحاجتي، وإما أن تنزل وأمسك فرسك فتأتيني بحاجتي

فقلت: بل أنزلت أنت. فأنت أخبر بحاجتك مني، فرمى إلي بعنان فرسه ورضيت والله يا أمير المؤمنين بأن أكون له سائساً، ثم مضى إلى قبة فأخرج منها جارية لم تر عيناي أحسن منها حسناً وجمالاً، فحملها على ناقة

ثم قال: يا عمرو، فقلت: لبيك! قال: إما أن تحميني وأقود الناقة أو أحميك وتقودها أنت؟

قلت: لا بل أقودها وتحميني أنت، فرمى إلي بزمام الناقة ثم سرنا حتى أصبحنا

قال: يا عمرو قلت: ما تشاء؟ قال: التفت فانظر هل ترى أحداً؟

فالتفت فرأيت رجالاً فقلت: اغذذ السير

ثم قال: يا عمرو انظر إن كانوا قليلاً فالجلد والقوة وهو الموت الأحمر، وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء

فالتفت وقلت: وهم أربعة أو خمسة قال: اغذذ السير ففعلت، ووقف وسمع وقع حوافر الخيل عن قرب

فقال: يا عمرو، كن عن يمين الطريق وقف وحول وجه دوابنا إلى الطريق ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ووقف عن يسارها ودنا القوم منا وإذا هم ثلاثة أنفار شابان وشيخ كبير، وهو أبو الجارية والشابان أخواها، فسلموا فرددنا السلام

فقال الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي

فقال: ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتها

فقال لأحد ابنيه: اخرج إليه، فخرج وهو يجر رمحه فحمل عليه الحرث

وهو يقول

من دون ما ترجوه خضب

الذابل من فارس ملثم مقاتل

ينمي إلى شيبان خير وائل

ما كان يسري نحوها بباطل

ثم شد على ابن الشيخ بطعنة قد منها صلبه، فسقط ميتاً، فقال الشيخ لابنه الآخر اخرج إليه فلا خير في الحياة على الذل

فأقبل الحارث وهو يقول

لقد رأيت كيف كانت طعنتي

والطعن للقرم الشديد همتي

والموت خير من فراق خلتي

فقتلتي اليوم ولا مذلتي

ثم شد على ابن الشيخ بطعنة سقط منها ميتاً، فقال له الشيخ: خل عن الظعينة يا ابن أخي، فإني لست كمن رأيت

فقال: ما كنت لأخليها، ولا لهذا قصدت

فقال الشيخ: يا ابن أخي اختر لنفسك فإن شئت نازلتك وإن شئت طاردتك، فاغتنمها الفتى ونزل

فنزل الشيخ وهو يقول

ما أرتجي عند فناء عمري

سأجعل التسعين مثل شهر

تخافني الشجعان طول دهري

إن استباح البيض قصم الظهر

فأقبل الحارث وهو ينشد ويقول

بعد ارتحالي ومطال سفري

وقد ظفرت وشفيت صدري

فالموت خير من لباس الغدر

والعار أهديه لحي بكر

ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابن أخي إن شئت ضربتك، فإن أبقيت فيك بقية فيَّ فاضربني وإن شئت فاضربني. فإن أبقيت بقية ضربتك

فاغتنمها الفتى وقال: أنا أبدأ

فقال الشيخ: هات

فرفع الحارث يده بالسيف فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرب بطنه بطعنة قد منها أمعاءه ووقعت ضربة الفتى على رأس الشيخ فسقطا ميتين

فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف

ثم أقبلت إلى الناقة فقالت الجارية: يا عمرو: إلى أين ولست بصاحبتك ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت

فقلت: اسكتي

قالت: إن كنت لي صاحباً فأعطني سيفاً أو رمحاً فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك

فقلت: ما أنا بمعط ذلك، وقد عرفت أهلك وجراءة قومك وشجاعتهم فرمت نفسها عن البعير ثم أقبلت تقول

أبعد شيخي ثم بعد أخوتي

يطيب عيشي بعدهم ولذتي

وأصحبن من لم يكن ذا همةٍ

هلا تكون قبل ذا منيتي

ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنزعه من يدي، فلما رأيت ذلك منها خفت إن ظفرت بي قتلتني، فقتلتها

فهذا يا أمير المؤمنين أشجع من رأيت

ـ[الحامدي]ــــــــ[19 - 02 - 2007, 07:57 م]ـ

الخطيب الحصكفي يهجو مغنيا

أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد، الملقبُ معين الدين، المعروف بالخطيب الحصكفي؛ ولد بطنزة من ديار بكر، وقدم بغداد حيث أخذ فيها علوم الأدب واللغة والفقه حتى برع فيها، ومن شيوخه في بغداد الخطيب التبريزي.

ثم رحل عائدا إلى بلاده، واستوطن ميافارقين وتولى بها الخطابة والفتوى والتدريس.

قال عنه العماد الأصبهاني في خريدته: "كان علامة الزمان في علمه، ومعريَّ العصر في نثره ونظمه"

ومن طريف شعره قصيدة قالها في هجوِ مغنٍّ، وهي:

ومُسمعٍ غناؤُه = يُبدلُ بالفقرِ الغنى

شهدتُه في عصبةٍ = رَضيتهمْ لي قُرَنا

أبصرتُه فلم تخبْ = فِراستي لما دنا

وقلتُ: مَن ذا وجهُه = كيف يكونُ مُحسنا

ورمتُ أن أروحَ للـ = ـظنِّ به مُمتحنا

فقلتُ من بينهمُ: = هاتِ، أخي، غنِّ لنا

"ويوم سلعٍ" لم يكنْ = يومي بسَلعٍ هَيِّنا

فانشالَ منه حاجبٌ = وحاجبٌ منه انحنَى

وامتلأ المجلسُ من = فيه نسيمًا مُنتنا

أوقعَ إذْ وقَّعَ في الأنـ = ـفسِ أسبابَ العَنا

وقال لما قال من = يسمع في ظل الفنا

وما اكتفَى باللحن والـ = ـتخليط حتى لَحَنا

هذا وكم تكشخن الـ = وغد وكم تقرنّنا

يُوهمُ زَمْراً أنه = قطَّعه ودَندنا

وصاح صوتًا نافرًا = يخرجُ عن حدِّ البنا

وما درَى مُحضرُه = ماذا على القوم جنى!

فذا يسدُّ أنفه = وذا يسدُّ الأذنا

ومنهمُ جماعةٌ = تسترُ عنه الأعينا

فاغتظتُ حتى كدتُ من = غيظٍ أبثُّ الشجنا

وقلتُ: يا قومُ اسمعوا = إما المغني أوْ أنا

أقسمتُ لا أجلسُ أو = يخرجَ هذا من هنا

جُروا برجل الكلب إنْ = ـنَ السقمَ هذا والضنا ...

قالوا: لقد رحمتنا = وذدتَ عنا المحنا

فحزت في إخراجه = راحة نفسي والثنا

وحين ولى شخصه = قرأتُ فيهم معلنا:

"الحمد لله الذي = أذهب عنا الحزنا"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير