تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلى أن جاءت البرنيّة التي فيها الدكّة. فلمّا رآها العجمي تهلّل وجهه فرحاً وقال: هذا السلطان سعيد! ثم قال للشهود والمحتسب: اختموا عليها بختومكم ثم ابعثوا بها إلى القلعة. ففعلوا ذلك. فقال لصاحب الدّكان: من أين لك هذه؟ فقال: ابتعتها من رجل فقير. قال: بكم؟ قال: بخمسة دراهم. فأخذ منديله وقال: هذه عشرة دراهم من عندي، ولا تبطل شغلك ولا تطلع إلى الديوان. ثم ركبوا جميعهم، وطلعوا إلى القلعة وعرّفوا السلطان. وقال له العجمي: هذه أوّل سعادتك، هذا يعمل شيئاً كثيراً، فيشرع مولانا من الليلة وبالله التوفيق. فلمّا أمسى عليهم المساء، استدعوا ما يحتاجون إليه من الآلة، ثم قعد السلطان وخادم في صُفَّة والعجمي قد اعتزل عنهم في ناحية. ثم قال: يزن مولانا من العقار الفلاني كذا ومن الآخر كذا، وجعل يعدّ العقاقير جميعها، ثم قال: ومن الطَّبرمك مائة مثقال. ففعل ذلك حتى احترقت جميع تلك الحوايج ودار الذّهب. ثم قال: اقلب على بركة الله تعالى! فقلب البودقة، فنزلت سبيكة ذهب مصري لا يكون شيء أحسن منه. فلمّا نظر السلطان إلى ذلك حار ودُهش، ثم قدّم له تلك الليلة شيئاً يساوي ألف دينار. ولم يزالوا يعملون حتى فرغ ذلك الطَّبرمك، فطلبوه فلم يجدوه. فقال السلطان: كيف نعمل بالطّبرمك؟ فقال العجمي: نبعث نجيب منه من خُراسان، فإنه معدن في الجبل في مغارة إذا أراد إنسان أن يحمل منه ألف حمل جمل. وأنا دخلتُ إليها وأخذتُ منها شياً كثيراً، وعندي في داري منه مقدار قنطار. فلمّا سمع السلطان قوله قال: ما لهذا الأمر غيرك، فإن تعذّر الوصول إلى المغارة فاحمل الذي عندك، وإن وصلت إلى المغارة فاحمل مهما قدرت. وأنا أكتب معك كتاباً إلى السُّلطان الأعظم لايمنعك أحد من ذلك! فلمّا سمع العجمي قال: إن رأى السلطان أن يبعث غيري، فأنا قد طابت لي دمشق وخدمة السلطان. قال: لا غِنا عن رواحك، فإن لك في ذلك أعظم الأجر. ولم يزل عليه حتى أنعم بالسفر، فلمّا شرع يتجهّز جهّزه بستين حمل منها شُرَب عمل تنيس ودمياط ومن عمل اسكندريّة، ومنها سُكَّر بالأحمال والجمال والجمّالين، ثم أعطاه خيمة ومطبخاً وفرّاشين ونفقة الطريق إلى بغداد وإلى العجم، وكتب معه كتباً إلى سائر البلاد بالمراعاة والخدمة والإعانة. ثم خرج السلطان وأرباب الدولة إلى وداعه، وراح وقد وصل هذا إلى الحجر المكرّم وحصل له الإكسير الأعظم. ومن أعجب ما في هذه القضيّة أنه كان بدمشق رجل يكتب أسماء المغفّلين المُخارفين، فسمع بهذه القضيّة، فكتب في رأس جريدته:» السلطان نور الدين محمود بن زنكي رأس المغفّلين «. فشاع ذلك ولم يعلم أحد باطن القضيّة، حتى قيل للسلطان: قد كتبكَ شخصٌ رأسَ المغفّلين، فقال: وأيّ شيء أبصر من تغفّلي حتى يكتب اسمي؟ هاتوه! فنزلت إليه الجنداريّة وقالوا له: باسم الله، كلِّم السلطان. فأخذ الجريدة في كمّه ومشى معهم. فلمّا وقف أمام السلطان، قال: أنت فلان الذي تكتب أسماء المغفّلين؟ قال: نعم. قال: وكتبتني؟ قال: نعم، وهذا اسمك .. ثم أظهره. فقال: وما بانَ لك من تغفّلي حتى كتبتني؟ فقال: ومن يكون أغفل منك؟ جاءك عجمي نصّاب عمل عليك حيلة ودكّ عليك ألف دينار، أخذ بها مال المسلمين وراح! فقال: راح يأتي بطبرمك وكأنك به وقد جاء ومعه الطَّبرمك نعمل منه أموالاً لا تُحصى. فقال له: يا خوند إن رجع العجمي وجاء، محيتُ اسمك من الجريدة وكتبتُ اسمه، وما يكون في الأرض أغفل منه! فلمّا سمع السلطان ذلك، ضحك وقال:» اعطوه شيئاً يُنفقه عليه «. فأعطوه شيئاً وراح. وكان كلّما أفلس، أخذ الجريدة ووقف على باب القلعة، فإذا ركب السلطان، فتح الجريدة ويقول:» ما جاء، وهذا اسم السلطان مكتوب! «. فيضحك، ويُطلق له شيئاً. فانظر إلى هذا الدَّكّ والجسارة على بيع ألف دينار بخمسة دراهم. فأقام السلطان على ذلك حتى مات ()، والطَّبرمك لم يأتِ. (المختار في كشف الأسرار، 68 - 74) (*) انظر كتاب (دفاتر دمشقية عتيقة) منشورا على الوراق، ومن طريف نصوصه: (القافات العشر التي انفردت بها دمشق) (ص76) وحارة المرقص في دمشق (ص112) و (ما انفردت به حلب من مفسدة القشير) (ص120) و (حريق الجامع الأموي يوم 15/ 11/ 1893م) (ص138) و (سبب شهرة دمشق) (ص140) و (موكب الحج الشامي في أواخر القرن التاسع عشر) (ص191) وخبر تجديد ضريح صلاح الدين وقصة الكشف عن جثته في القرن العشرين (ص211) ومراسم شد الصانع حسب العادات الدمشقية (ص243) وما سبق ذلك من الحديث عن قواعد اتخاذ شيخ لكل صنعة.

ـ[نعيم الحداوي]ــــــــ[12 - 03 - 2007, 12:12 ص]ـ

وفقك الله يامحمد على هذه الصفحة الجميلة بما تحمله لنا فيها وبارك الله فيك ونفعنا بعلمك تحياتي لك

ـ[محمد سعد]ــــــــ[12 - 03 - 2007, 03:00 م]ـ

وفقك الله يامحمد على هذه الصفحة الجميلة بما تحمله لنا فيها وبارك الله فيك ونفعنا بعلمك تحياتي لك

اشكرك ايها الاخ العزيز: نعيم على عباراتك وهذا تواضع منك وارجو الله ان يكون هذا العمل في ميزان حسناتك وحسناتي

خبط عشواء

من مقدمة رسالة الملائكة

لأبي العلاء المعري " وحق لمثلي أن لا يُسأل، فإن سئل تعين عليه ألا يجيب، فإن أجاب ففرض على السامع ألا يسمع منه، فإن خالف باستماعه ففريضة ألا يكتب ما يقول، فإن كتبه فواجب ألا ينظر فيه، فإن نظر فقد خبط خبط عشواء".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير