تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وامر آخر يقرب من الموضوع ويتابع من خطوه، هو أن الإيقاع الموسيقي والميزان العروضي، ليسا من المعاني والألفاظ في شيء فهما خارجان عن هاتين الحقيقتين، ولكنهما متداخلان معهما، وملازمان لهما، ولا ينعدمان في الدلالة على الصورة في القصيدة، وإن كانا شيئاً والقصيدة في محتواها شيئاً آخر.

والحق أن إدراك هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى، واعتبارهما وحدة متجانسة في دلالتها على الصورة، يمكن اعتباره امتداداً منطقياً لجزء مهم من رأى الفريق الرابع من فرقاء المعركة.

4 ـ الفريق الرابع: وهذا الفريق يتمثل في عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) في كتابيه «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» فقد هذب عبد القاهر من المفاهيم المرتجلة لدلالة الألفاظ والمعارف وأقامها على أصل لغوي وعلمي رصين، وأدرك مسبقاً سر العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى، ورفض القول بإيثار أحدهما على الآخر، واعتبرهما بما لهما من مميزات وخصائص واسطة تكشف عن الصورة، فقال بالنظم تارة، وبالتأليف تارة أخرى، مما لم يوفق إليه الفرقاء في النزاع، والملاحظة عنده أن النظم عبارة عن العلاقة بين الالفاظ والمعاني، وأنها تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل (1).

وقد يخيل للبعض أن عبد القاهر من أنصار المعنى دون اللفظ نظراً لتهجمه على القائلين بأولوية اللفظ، وليست الألفاظ عنده «إلا خدم المعاني» (2)، ولكن عبد القاهر يشن هذه الحملات، ويصول ويجول في قلمه وما يضربه من أمثلة وشواهد، وما يقرره من قواعد، لا انتصاراً للمعنى، وإنما هو تفنيد لآراء القوم وتدليل على مفهوم الصورة عنده


(1) الجرجاني، دلائل الإعجاز: 40.
(2) المصدر نفسه، وأسرار البلاغة: 5.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير