وإنما اعتبر ذلك حقيقة شرعية (عند الأشاعرة) واستدل عليها من كتب علم الكلام، فتبين للقارئ أن المسألة قد خرجت عن بحثها الوضعي إلى بحثها الاصطلاحي، وإذا كان الأمر كذلك فالمأخذ على الكتاب أقرب إلى علمي التفسير والعقيدة .. وليس المأخذ لغوياً.
حيث نقل المؤلف الأصل اللغوي بأمانة علمية، ثم ذكر ما يعتقده هو من عقيدة في هذا المعنى الشرعي.
ولا يلتبسن عليك قوله: (ومن جعله حقيقة في اللسان .. ) فهذا لا ينقض ما صدر به كلامه؛ لأن مقصوده توجيه ما نقل عن متقدمي الشافعية السلفيين [مخالفي الأشعرية]؛ وأراد تأويل كلامهم في تفسير حقيقة الكلام وليس باستدراك على المعنى اللغوي الأصلي.
لذلك يجب علينا التفريق وعدم خلط الأمور.
ولاحظ العبارة التي قالها الأخ العوضي (المتأخرون) وتأملها، فإن في عهد المتأخرين قد نضجت المفاهيم الاصطلاحية وكثر تداولها بشكل غلبت فيها الحقائق الوضعية المطلقة! وعليه ائتنا بمعجم متأخر حاوٍ مالا يتعارض وعقيدة السلف الصالح؟ لن تجد، ليس بسبب انتشارمذاهب أهل الكلام فحسب، وإنما لأن الاصطلاح قد أصبح ضرورة إنسانية لا يمكن للمتأخر الانفكاك عنها.
وتأمل المعاجم السنية .. كتهذيب الأزهري مثلاً، وأظنك تعتبره مثلاً صالحا للاحتذاء به، لقد كان في عصر متقدم ندرت فيه المصطلحات العلمية بشكل ملحوظ لعدم نضج العلوم المتداولة، لذا فكل ما فيه بريء وخالص من شوائب الكلام ورواسب علوم المتكلمين.
ولما أراد الأزهري أن يخوض غمار المصطلحات .. لم يجد إلا جانباً ضيقاً محصوراً في كلام الشافعي، فألف الزاهر وهو في مجلدة لطيفة ليس أكثر.
مما يؤكد لك كلامي المصطلحات عند المتأخرين أكثر وعند المتقدمين أقل ممن سيأتون بعدهم.
وختاماً أيها الكريم .. أعود بك إلى ما بدأته في حديثي حين قلت:
موضوعنا دار حول وجود المصطلحات في مثل هذه المعاجم، فإذا وجدت أدركنا أن ما في المعجم قد امتزج بعلوم مصطلحية أخرى؛ غير الأصول الوضعية للمفردات.
فينبغي مراعاة وجودها في المعجم والتنبه لذلك.
أوفي المقابل، إذا عرفنا خلو المعجم من المصطلحات .. اكتفينا به مصدراً خالصاً من المصادر اللغوية.
وهذا الاختلاف لا يؤثر في أصل التلقي والأخذ عن هذه المصادر وإنما يؤثر في منهجية التلقي وكيفية الاستفادة، كما شرحته لك سابقاً.
إذ الأخذ من هذه الكتب (بنوعيها: المتقدمة والمتأخرة) لا غبارعليه نظراً للثقة في الناقل؛ في تأديته المنقول بأمانة.