كيف تحمس شيخ الإسلام وقال: (يجب أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرءان كما بيّن لهم ألفاظه) أراد بها الرد على أهل الفلسفة والإلحاد في عصره , الّذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ معاني كلام ربه بلاغا ًمبيّنا ًسوى الألفاظ ,بل منهم من صرّح بذلك وقال: إن المصلحة كانت في كتمان معاني هذه الألفاظ وعدم تبليغها للأمة, فأراد شيخ الإسلام رحمه الله أن يرد عليهم ويقول: لا يوجد شيء في القرءان تحتاجه الأمة ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد تركها على المحجّة البيضاء, ولذلك لا يمكن لأحد أن يأتي ويقول إن القرءان أراد كذا كما يفعله أهل الباطنية يقول: إن هذا ظاهر القرءان للعامّة وباطنه تفسيره بكذا وكذاأبدا ً، وأما ما سيأتي من اختلافات المفسّرين فلها مأخذها ولها أسبابها ..
إذن هذا الفصل عقده شيخ الإسلام للرّد على أهل الفلسفة والباطنية الّذين يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين معاني القرآن.
من الألفاظ التي ذكرت في شيخ الإسلام وهي على القاعدة التي قلتم ينبغي أن تُستظهر حفظا ً, يقول: (كلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والإئتلاف والعلم والبيان فيه أكثر) وهذا صحيح ,يشهد لهذه القاعدة أمران:
الأول:الخبر:وهو ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) خير الناس قرني (
الثاني: النظر: وأن شرف كل عصر بشرف أهله ,وأشرف العصور هي عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر أصحابه ,ثم من تعلّموا من الصحابة ولهذا , فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق.
قال مجاهد:) عرضت المصحف على ابن عباس ,أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها (مراد مجاهد هنا السؤال عن المشكل أو المجمل ,لأن السلف كانوا لا يهتمّون بتفسير كل شيء كحالنا لعلمهم بالعربية ,فكانوا لا يسألون إلا عمّا أشكل عليهم.
قوله: {والمقصود أن التابعين تلقّوا التفسير عن الصحاب (يعني به جملتهم أو المشتغلون بعلم التفسير ,لا يقصد كل التابعين.
هنا مسألة استطرادية لما قال:
(وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن) بعض الإخوة يستشكل عليه يقول:كيف أحفظ القرءان؟ أقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين وهذه دائما ًتثار في مجالس تحفيظ القرءان بعضهم يقول كيف أحفظ؟ احفظ وجه واحد وادرس تفسيره ثم احفظ الذي بعده.ولذلك هذه المسألة ليس قصد ابن عمرـ رضي الله عنه ـ بهذا أن لا يحفظ الإنسان البتة , وإنما ينبغي ان يشتغل بفهم ما يحفظ , فإن مجرد الحفظ يا إخواني غير مقصود وإن كان في القرءان مقصود لذاته, وتعرفون حديث (إقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)
ولذلك أورد العلماء:هل يجوز أن يحفظ الإنسان القرءان دون تدبره ,ودون مثلا ًالاشتغال بتفسيره؟
الجمهور ورأي المذاهب الأربعة جواز ذلك ,وعليه عمل الناس إلى يومنا هذا, لكن نقول حتى للحافظين: إذا أردتم أن تنتفعوا بما حفظتم فعليكم بفهم ما حفظتم.
الأن ننتقل إلىالفصل الثاني من فصول هذه المقدمة.
وهو اختلاف السلف في التفسير.
وهذا الفصل من أهم فصول هذه المقدمة خاصّة للذين سيشاركوننا الاستمرار في هذه الدورة.
كثير من الإخوة يقول:والله يا أخي التفسير صعب ,يا جماعة والله أنا أحب التفسير, أريد أنا أقرأ في التفسير لكن صعب ,أذهب إلى زاد المسير لابن الجوزي أجد في كلمة واحدة سبعة أقوال ,وكثرة خلافات وكثرة هذا الفصل سيحل الإشكال وسيجيب عن هذه المسألة , وسيقرر شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن أغلب هذه الخلافات هي من قبيل اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد،.و سأبيّن لكم إن شاء الله تعالى بعض الأمثلة, وأرجو إن شاء الله من المشايخ الكرام وهم إن شاء الله تعالى سينتبهون لهذه القضية عند شرح أو بداية تفسير القرءان أن يُشيروا دائما ًإلى اختلاف التنوع في هذه المسألة ليسهل على طالب العلم تناول علم التفسير.
¥